الرقابة المالية تطلق أول معايير وطنية لتقييم الأصول غير الملموسة

شارك الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، في اجتماع رفيع المستوى بالعاصمة الأمريكية واشنطن مع المجلس الأطلسي، أحد أبرز مراكز الفكر في الولايات المتحدة، لاستعراض جهود التحول الرقمي ودعم ريادة الأعمال والشركات الناشئة في مصر، وذلك ضمن فعاليات اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين.
جاء اللقاء بحضور الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، في إطار جهود الهيئة لتعزيز الحوار مع المؤسسات الدولية ومراكز الفكر الاقتصادي والاستثماري، واستعراض التطورات التشريعية والتنظيمية التي تشهدها الأسواق المالية غير المصرفية في مصر، بما يسهم في دعم الابتكار وتحسين مناخ الاستثمار، تماشيًا مع الاستراتيجية الوطنية للإصلاح الاقتصادي، وبما يعود بالنفع على مختلف شرائح المستثمرين ويحقق الشمول المالي المنشود.
وخلال اللقاء، قدم الدكتور فريد عرضًا شاملًا حول النهج التنظيمي الجديد الذي تتبناه الهيئة في دعم تأسيس وترخيص الشركات الناشئة، موضحًا أن الهيئة تعمل على تطوير بيئة متكاملة لتسهيل إجراءات الترخيص وتقليص المدد الزمنية، بما يمكّن رواد الأعمال من إطلاق مشروعاتهم في بيئة تتسم بالشفافية وسرعة الاستجابة.
وأشار إلى أن التجربة المصرية في هذا المجال حققت نجاحًا ملموسًا في جذب استثمارات محلية ودولية، وأن الهيئة مستمرة في تطوير إطار رقابي مرن يتلاءم مع طبيعة الابتكار والنمو السريع للشركات الناشئة.
كما ناقش رئيس الهيئة تطوير معايير التقييم المالي للشركات الناشئة، مؤكدًا أن غياب أطر دقيقة للتقييم كان يمثل تحديًا أمام المستثمرين في تحديد القيم العادلة لهذه الشركات.
ومن هنا، اتجهت الهيئة إلى وضع معايير مصرية واضحة تأخذ في الاعتبار خصوصية الشركات التكنولوجية وريادة الأعمال، وتعتمد على أساليب تتناسب مع طبيعة نماذج الأعمال الرقمية والأصول غير الملموسة، بما يعزز ثقة المستثمرين ويتيح تقييمات أكثر عدالة وموضوعية.
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور فريد أن الهيئة انتهت أيضًا من إعداد أول معايير مصرية لتقييم الأصول غير الملموسة مثل الملكية الفكرية، والبرمجيات، والعلامات التجارية، والبيانات الرقمية، مؤكدًا أن هذه الخطوة تُعد سابقة في المنطقة العربية وتمثل نقلة نوعية في التعامل مع الشركات العاملة في الاقتصاد الرقمي، إذ تسهم في احتساب القيمة الاقتصادية الحقيقية لهذه الأصول ضمن القوائم المالية للشركات، وتساعد في تحسين قرارات التمويل والاستثمار.
كما استعرض رئيس الهيئة جهود تحديث معايير المحاسبة المصرية لتتواكب مع التحولات العالمية، مشددًا على أن الهدف هو تحقيق مزيد من المواءمة مع المعايير الدولية (IFRS)، مع مراعاة خصوصية البيئة الاقتصادية المحلية، بما يعزز الشفافية والإفصاح المالي، ويتيح للمستثمرين رؤية أوضح للأداء المالي للشركات المدرجة وغير المدرجة.
وفي إطار دعم البدائل التمويلية الجديدة، استعرض الدكتور فريد جهود الهيئة في تنظيم أنشطة التمويل التشاركي (Crowdfunding)، موضحًا أن هذا النمط يمثل أحد المحركات الرئيسية لدعم الابتكار وريادة الأعمال، خاصة في القطاعات الصغيرة والمتوسطة، حيث أصدرت الهيئة ضوابط متكاملة تضمن حماية المستثمرين من جهة، وتتيح للشركات المبتكرة الوصول إلى التمويل بسهولة من جهة أخرى، بما يحقق توازنًا بين النمو والرقابة.
كما تناول رئيس الهيئة التطورات الأخيرة في تنظيم المنصات العقارية الرقمية والتمويل العقاري التشاركي، مؤكدًا أن الهيئة تعمل على وضع قواعد تنظيمية تتيح الاستثمار العقاري الجماعي عبر المنصات الإلكترونية، بما يمكن المستثمرين الأفراد والمؤسسات من المشاركة في مشروعات عقارية بشفافية وكفاءة أعلى، وهو ما يعزز مرونة السوق ويخلق فرصًا جديدة للاستثمار.
وفي سياق متصل، استعرض الدكتور فريد المستجدات الخاصة بالشركات ذات غرض الاستحواذ (SPACs) وتطوير قواعد قيدها في السوق المصري، مشيرًا إلى أن هذه الآلية تمثل أداة حديثة لجذب رؤوس الأموال إلى الشركات الواعدة وتسهيل دخولها إلى أسواق المال، من خلال مسار استثماري منظم يوازن بين حماية المستثمرين ودعم النمو.
كما تطرق إلى آليات "اعرف عميلك إلكترونيًا" (e-KYC)، مؤكدًا أن الهيئة تبنت نظامًا إلكترونيًا متكاملًا للتعرف على هوية العملاء عن بُعد، بما يضمن الدقة والأمان والامتثال للمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو ما ساهم في توسيع قاعدة المستثمرين ودمج شرائح جديدة في المنظومة المالية غير المصرفية، خاصة في مجالات التمويل متناهي الصغر والتمويل الجماعي.
واختتم الدكتور محمد فريد كلمته بالتأكيد على أن اللقاءات مع المؤسسات الدولية تأتي في إطار حرص الهيئة على تعميق التعاون الفني وتبادل الخبرات التنظيمية، مشيرًا إلى أن النقاشات التي دارت في واشنطن تمثل خطوة إضافية نحو ترسيخ مكانة السوق المصري كبيئة مالية مبتكرة ومتطورة، مؤكداً أن الهيئة ماضية في تطوير منظومتها الرقابية والتشريعية لدعم النمو المستدام وجذب الاستثمارات المحلية والدولية بما يخدم الاقتصاد المصري.