مواجهة التشكيك الرقمي.. الأزهر ينظم ندوة في جامعة بنها لتعزيز الوعي الفكري

في ثالث أيام فعاليات «أسبوع الدعوة الإسلامية الثاني عشر» الذي ينظمه مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بالتعاون مع جامعة بنها، تحت عنوان: «لماذا الإيمان أولًا؟»، تواصلت اللقاءات الفكرية والتوعوية التي تهدف إلى ترسيخ المفاهيم الدينية الصحيحة لدى الشباب، ومواجهة موجات التشكيك التي تتسلل عبر الفضاء الرقمي.
انعقد اللقاء الثالث بكلية التربية النوعية بجامعة بنها تحت عنوان: «تحديات الإيمان في العصر الرقمي»، بمشاركة نخبة من علماء الأزهر الشريف وعدد من أساتذة الجامعة، وسط حضور طلابي لافت، جسّد اهتمام الشباب بقضايا الفكر والإيمان في زمن التحولات المعرفية السريعة.
الحوار مع الأزهر درع يحمي الشباب من التيارات المشوهة
استهل الأستاذ الدكتور هاني شحته، عميد كلية التربية النوعية بجامعة بنها، اللقاء بكلمة رحّب فيها بعلماء الأزهر الشريف، مؤكدًا أن التواصل مع مؤسسات الفكر الديني الرصين هو حائط الصد الأول أمام حملات التغريب والتشويه.
وأوضح أن هذه الندوات تمثل فرصة ذهبية لتحصين عقول الشباب من الأفكار المتطرفة أو الهدامة، مشددًا على أن الحوار المنفتح مع علماء الأزهر يعمق لدى الطلاب الوعي الديني الوسطي، ويغرس فيهم قدرة نقدية راشدة تميز بين الفكرة السليمة والشبهة المغلوطة، في مواجهة سيل المعلومات المضللة المنتشرة عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي.
العواري: الغزو الفكري الجديد يلبس ثوب العلم ويستهدف الثوابت
وفي كلمته، أوضح الدكتور عبد الفتاح العواري، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الحرب على المفاهيم الدينية لم تعد تقليدية، بل انتقلت إلى الفضاء الرقمي بأساليب دقيقة وممنهجة.
وقال إن ما يواجهه الشباب اليوم ليس مجرد نقد ديني، بل حملات منظمة تهدف إلى تفكيك المفاهيم الإسلامية الأصيلة التي تشكل هوية المجتمع، مثل مفاهيم الحياء والعفة والكرامة والحشمة، عبر تصويرها على أنها قيود رجعية أو أفكار بالية.
وأضاف العواري أن أخطر صور هذا الغزو تتمثل في ما وصفه بـ «التضليل المغلف بالعلم»، إذ تُقدَّم شبهات فكرية وعقائدية في قوالب تبدو علمية أو بحثية، لكنها في الحقيقة تفتقر إلى المنهجية والمصداقية، وتستند إلى مقاطع أو كتابات مبتورة تُروّج على أنها دراسات موثوقة.
وأكد أن هذه الأساليب تستهدف زرع الشك في وحي الله تعالى وسنة نبيه ﷺ، وهدم الثقة في مصادر التشريع، تمهيدًا لإفراغ المجتمع من قيمه الأخلاقية واستبدالها بثقافة نسبية لا تعترف بمرجعية دينية أو أخلاقية.
تشويه القدوات.. استراتيجية لإسقاط الرموز والقيم
وحذر الدكتور العواري من أن تشويه القدوات الإسلامية أصبح وسيلة رئيسية في الحرب الفكرية المعاصرة، مشيرًا إلى أن بعض الحملات تركز على النيل من رموز الأمة وعلمائها لتفريغ الذاكرة الجماعية من مرجعياتها الأخلاقية.
وبيّن أن هذا التشويه يقابله تلميع رموز زائفة على مواقع التواصل الاجتماعي، تقدَّم كنماذج للشباب رغم خوائها الفكري والروحي، لتُصرف طاقات الجيل نحو التفاهة واللهو بدلاً من الاقتداء بالمفكرين والعلماء الحقيقيين.
وأكد أن المنهج الإسلامي في التربية يقوم على إعمال العقل والتفكر، ليتمكن الفرد من التمييز بين الحقيقة والشبهة، ومن ثمّ بناء مناعة فكرية قوية في مواجهة التيارات الهدامة.
أمين العليا للدعوة: الأزهر يبني وعيًا دينيًا وطنيًا مستنيرًا
من جانبه، أشار الدكتور حسن يحيى، أمين اللجنة العليا للدعوة بالأزهر الشريف، إلى أن الأسابيع الدعوية لمجمع البحوث الإسلامية تمثل تجسيدًا عمليًا لدور الأزهر في حماية الوعي العام، موضحًا أن المؤسسة الأزهرية تسعى من خلال هذه الفعاليات إلى مد جسور التواصل الفكري والمعرفي مع الشباب في مختلف الجامعات المصرية.
وقال إن الحوار المباشر مع طلاب الجامعات ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة وطنية ودينية لمواجهة الأسئلة الوجودية والفكرية التي تفرضها التحولات الرقمية والإعلامية، مؤكدًا أن الأزهر يقدّم للشباب برامج دعوية معاصرة تراعي تساؤلاتهم الفكرية والنفسية والاجتماعية.
وأضاف يحيى أن الإيمان في المنهج الأزهري ليس فكرة تجريدية، بل هو قوة دافعة ومنهج حياة متكامل، يبني الشخصية المتوازنة التي تجمع بين العقل والإيمان، والعلم والعمل، مضيفًا أن تعميق هذا المفهوم لدى الشباب هو الطريق إلى بناء مجتمع قوي قادر على مواجهة التحديات.
الفضاء الإلكتروني.. ميدان جديد للغزو الفكري
وحذر أمين اللجنة العليا للدعوة من أن الهجمات الإلكترونية تستهدف بشكل خاص مفاهيم العلاقات الأسرية والاجتماعية، من خلال الترويج لأفكار تدعو إلى التمرد على سلطة الوالدين وإلغاء أدوار الأسرة تحت شعار الحرية الشخصية.
وأوضح أن هذا النمط من الترويج يؤدي إلى تفكك الروابط الأسرية وخلق أجيال مضطربة تبحث عن الهوية خارج القيم والمبادئ الأصيلة.
وأكد ضرورة التزام الشباب بـ الضوابط الأخلاقية في العلاقات داخل الجامعة أو عبر الإنترنت، وعدم الانسياق وراء ثقافة الإفشاء المفرط للحياة الخاصة أو الأسرار الشخصية، لما لذلك من أثر سلبي على التوازن النفسي والاجتماعي.
دعوة للعودة إلى القدوات الحقيقية
وجّه الدكتور حسن يحيى دعوة صادقة إلى الشباب بأن يبحثوا عن قدواتهم في الأنبياء والصحابة والعلماء، وفي النماذج العملية من آبائهم وأمهاتهم الذين يمثلون قيم التضحية والرحمة والعمل الجاد.
وأكد أن الوعي بتاريخ هؤلاء القدوات يمنح الشباب بوصلة أخلاقية ومعرفية تقيهم من الانخداع ببريق المشاهير الزائفين أو المظاهر الخادعة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
أسبوع دعوي لتجديد الخطاب الديني الجامعي
يُذكر أن فعاليات «أسبوع الدعوة الإسلامية الثاني عشر» الذي تنظمه اللجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية بالتعاون مع جامعة بنها، تستمر من الأحد 12 أكتوبر حتى الخميس 16 أكتوبر، وتشمل مجموعة من الندوات والحوارات الفكرية تحت عناوين: «الإيمان والهوية»، و«تحديات الإيمان في العصر الرقمي»، و«الإيمان والحياة»، و«الإيمان وتحقيق الأهداف».
وتأتي هذه الفعاليات في إطار رؤية الأزهر الشريف لنشر الوسطية وتجديد الخطاب الديني، وتحقيق التواصل المستمر مع الشباب الجامعي لترسيخ قيم المواطنة والاعتدال، وبناء جيلٍ واعٍ مستنير يحمل رسالة الأزهر في الدعوة والفكر والإصلاح.