سيدة سودانية تضع مولودها في الطريق بمدينة 6 أكتوبر والإسعاف تتدخل لإنقاذ الأم والجنين

صدفة فريدة جعلت من جدران المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمدينة السادس من أكتوبر شاهدًا على مفهوم التآخي بين شعبي مصر والسودان بشكل عملي يلامس أرض الواقع.
أرض الواقع كانت رصيف المفوضية الذي افترشته سيدة سودانية يحفها أبناؤها الصغار، في أيام حملها الأخيرة، تتلهف لسماع اسمها من مسؤولي المفوضية لكي تنهي بعض معاملاتها الورقية، لكن القدر لم يُمهل السيدة مساحة الوقت التي كانت ترجُوها، فقد باغتتها آلام المخاض.
حشود من اللاجئين تجمهرت حولها، ولكن أيدي الجميع مغلولة من شدة الموقف ودقته، فالسيدة بدأت في الولادة في نهر الطريق. أحد الحاضرين أطلق صيحة: "اتصلوا بالإسعاف المصري"، صيحة كانت أقرب إلى طوق نجاة.
وبالفعل وصلت الاستغاثة إلى غرف القيادة والتحكم التي بادرت بتحريك مركبتنا الإسعافية كود 2683 بقيادة الزميل إيهاب محمد والمسعف إبراهيم عبد الله.
الزميلان سبق لهما إسعاف عشرات الحالات من اللاجئين المترددين على مبنى المفوضية، ولكن لم يدر بخلدهما للحظة واحدة أنهما مقبلان على حدث جلل.
دقائق معدودة وكان الزميلان في موقع الاستغاثة يشقان الحشد البشري الذي أحاط بالسيدة، وهالهما المشهد، فقد بدأت السيدة في الولادة، وقد خارت قواها تماما، وظهرت رأس الجنين.
وبشهامة المصريين الممزوجة بمهنية المسعفين المصريين، طلب رجال الإسعاف من عدد من السيدات تشكيل ساتر بشري يحجب السيدة عن ذلك الحشد الضخم، وتحولت قارعة الطريق إلى غرفة عمليات أو غرفة إنقاذ، لأن المخاطرة بتحريك الأم تعني تعريضها وجنينها لخطر داهم.
استل إبراهيم من حقيبته كافة الأدوات التي قد تساعده في ذلك الموقف، وبدأ في حث السيدة على الولادة بشكل طبيعي، وبالفعل احتضنت يد إبراهيم الطفل، وهمَّ بقطع الحبل السري له بمسافة آمنة، مع تجفيفه وتحفيزه ومراجعة كافة علاماته الحيوية.
لم ينتبه إبراهيم لذلك الصمت المطبق الذي ساد المكان، صمتٌ قطعه بكاء الطفل، لتبدأ على الفور همهمات الحشود البشرية تعلو وتصدح في المكان بين كلمات شكر وعرفان وتقدير. عشرات من اللاجئين أخذوا يحيّون إبراهيم وزميله إيهاب وهم يربتون على أكتافهما أثناء نقلهما للأم والجنين صوب سيارة الإسعاف تحية لهما على ما قدماه لتلك السيدة السودانية.
لم يكتف إبراهيم وإيهاب بمساعدة السيدة على وضع مولودها، بل أصرا على اصطحابها إلى المستشفى للتأكد من سلامتها وسلامة الجنين.
في الوقت الذي يترقب فيه الآلاف من رجال الإسعاف المصري بتلهف لحظة فتح معبر رفح البري للمساهمة في إجلاء أشقائنا الفلسطينيين المصابين من قطاع غزة الجريح للداخل المصري لتلقي العلاج، تأتي تلك الواقعة من الداخل المصري وكأنها عنوان عريض لمفهوم "مصر بلد الأمن والأمان، بيت العرب وحاضنتهم في كل الأوقات".