باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

مرصد الأزهر.. جبهة فكرية عالمية تقود معركة التسامح في وجه التطرف والكراهية

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في عالم الصراعات تتصاعد فيه موجات الكراهية والتحريض، تبرز الحاجة إلى منارة فكرية تنشر النور وسط هذا الظلام فبينما تشتعل النزاعات المسلحة وتزداد الأزمات السياسية والاقتصادية، يتنامى خطر آخر لا يقل ضراوة: خطر الفكر المتطرف وخطابات الكراهية، التي تُغذّي دوائر العنف وتزرع الانقسام في جسد الإنسانية.

في هذا السياق العالمي المليء بالتحديات، كان لا بد من صوتٍ عقلاني يذكّر العالم بأن التعايش ليس خيارًا ترفيًّا، بل هو ضرورة وجودية ومن قلب القاهرة، بجوار الجامع الأزهر الشريف، انطلق عام 2015 مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ليقود واحدة من أهم المعارك الفكرية في العصر الحديث: معركة الوعي ضد التطرف والإسلاموفوبيا والكراهية.

حين أطلق فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، فكرة إنشاء المرصد، لم يكن الهدف مجرّد إنشاء وحدة بحثية جديدة داخل المؤسسة، بل كان تأسيس جبهة فكرية تواجه التطرف بالفكر، وتُدير المعركة من ميدان الوعي قبل ميدان السلاح.

فقد أدرك شيخ الأزهر أن مواجهة الإرهاب لا تُختزل في حملات أمنية أو عسكرية، بل تحتاج إلى تفكيك الجذور الفكرية التي تُنتجه، والكشف عن الأوهام التي تُغذي عقول الشباب المنجرفين نحو التطرف.

منذ اللحظة الأولى، تبنّى المرصد استراتيجية علمية متكاملة، تقوم على الرصد والتحليل والتفنيد، مع متابعة دقيقة لكل ما يُنشر على المنصات الإعلامية التقليدية والرقمية، بالاستعانة بفريق من الباحثين المتخصصين في العلوم الشرعية والإعلامية واللغوية.

المرصد لا يكتفي بالملاحظة، بل يقوم بعملية “تشريح فكري” لكل خطاب متطرف، ليُظهر تناقضه مع جوهر الإسلام ومع القيم الإنسانية.

رهام سلامة: معركة الوعي وكشف زيف الصهيونية

توضح الدكتورة رهام سلامة، مديرة مرصد الأزهر، أن المرصد يخوض معركتين متوازيتين: معركة ضد الفكر المتطرف الذي تتبناه جماعات الإرهاب، ومعركة أخرى ضد الخطاب الصهيوني الذي يشوّه صورة الإسلام ويحرض على الكراهية.

تقول سلامة: “يقوم عمل المرصد على مراقبة الخطابات المتطرفة، وأغلبها ذو طابع صهيوني، مع فضح حملات تشويه الإسلام التي تزرع الكراهية ضده نحن نواجه الإرهاب بفكر أزهري أصيل يقوم على الرحمة والتعايش، ونُقدّم صورة الإسلام كما هي: دين سلام وإنسانية”.

وتضيف أن المرصد أصبح مرجعًا فكريًا على المستويين المحلي والدولي، لأنه يعتمد على لغة علمية هادئة، بعيدة عن التحريض أو الانفعال، تقدم الحقائق مدعومة بالتحليل الرصين والبيانات الدقيقة.

الإسلاموفوبيا.. الوجه الآخر للتطرف

لا يرى المرصد التطرف والإسلاموفوبيا ظاهرتين منفصلتين، بل وجهين لعملة واحدة فكما تُنتج الجماعات الإرهابية العنف باسم الدين، تُنتج بعض وسائل الإعلام الغربية خطابًا عنصريًا يشيطن المسلمين، ما يؤدي إلى زيادة الفجوة بين الشرق والغرب.

تؤكد تقارير المرصد أن الإسلاموفوبيا ليست مجرد “خوف من الإسلام”، بل هي نظام ممنهج من الكراهية يُسهم في نشر الصور النمطية السلبية عن المسلمين، ويدفع قطاعات من الشباب الغربي إلى التطرف المعاكس.

ومن هنا، يتعامل المرصد مع الإسلاموفوبيا باعتبارها أحد أهم محركات التطرف العالمي، حيث تُغذي الإرهاب وتُبرر جرائمه في آنٍ واحد.

ولمواجهة ذلك، يطلق المرصد تقارير وحملات توعوية تُفند الأكاذيب المنتشرة في الإعلام الغربي، وتُبرز القيم الحقيقية للإسلام من تسامح وعدالة ورحمة

إنجازات عالمية متعددة اللغات: صوت الأزهر إلى العالم

من أبرز ما يميز مرصد الأزهر أنه أدرك مبكرًا أن “معركة الوعي” لا تُخاض بلغة واحدة، وأن مواجهة التطرف تتطلب خطابًا عالميًا يخاطب العقول بلغاتها المختلفة.

لذلك، يصدر المرصد محتواه بعشر لغات، تشمل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والعبرية والفارسية والأردية والتركية وغيرها، ليصل خطابه إلى كل قارة وكل ثقافة.

وفي هذا الإطار، أنتج المرصد آلاف التقارير والتحليلات التي تناولت قضايا الإرهاب والتطرف والإسلاموفوبيا، فضلًا عن حملات رقمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف فئة الشباب تحديدًا.

كما أطلق المرصد برامج وثائقية، وأدلة توعوية موجهة للمؤسسات التعليمية والدينية، وعقد ندوات في أوروبا وأفريقيا وآسيا لتعزيز الوعي بخطورة الفكر المتطرف، وتفنيد مزاعم الجماعات الإرهابية التي تتخذ الدين غطاءً لأهدافها السياسية.

فلسطين.. جوهر القيم والضمير الإنساني

لم يغفل المرصد عن القضية الفلسطينية التي يعتبرها “قضية العرب والمسلمين الأولى”، فخصّص وحدة متخصصة لمتابعة الخطاب الصهيوني في وسائل الإعلام المختلفة، وتحليل أدواته في التزييف والتضليل.

توضح الدكتورة رهام سلامة: “جزء من معركتنا الفكرية هو فضح الخطابات الصهيونية المضللة التي تحاول طمس الهوية الفلسطينية أو تبرير العدوان. نحن نعتبر دعم فلسطين واجبًا دينيًا وإنسانيًا لا يسقط بالتقادم”.

وقد أصدر المرصد العديد من التقارير الموثقة عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته في القدس وغزة، وشارك في حملات دولية تهدف إلى توعية الرأي العام العالمي بعدالة القضية الفلسطينية، وبضرورة إنهاء الاحتلال والتمييز العنصري الذي تمارسه سلطات الاحتلال.

هذه الجهود جعلت المرصد أحد أبرز الأصوات المؤسسية العربية في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية على الساحة الدولية.

خطاب التسامح.. منهج الأزهر في مواجهة الكراهية

يتفرد مرصد الأزهر في أنه لا يرد على خطاب الكراهية بمثله، بل يقدم بديلًا فكريًا وإنسانيًا يقوم على التسامح والرحمة والعدالة.

فمنهجه الأزهري الأصيل يستند إلى قول الله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” (الأنبياء: 107).

بهذه الروح، يقدّم المرصد صورة الإسلام كدين سلام وتعايش، لا كدين صراع وهيمنة، وهو ما جعل خطابه يحظى بتقدير مؤسسات فكرية ودينية حول العالم.

لقد نجح المرصد في بناء نموذج فريد لمواجهة التطرف بالفكر، وتحويل التسامح من شعار إلى مشروع وطني وإنساني عالمي.

التقييم والمستقبل: فكر لا يُهزم إلا بالفكر

بعد مرور ما يقرب من عشر سنوات على تأسيسه، يمكن القول إن مرصد الأزهر أصبح ركيزة أساسية في معركة الوعي العالمي، وواجهة حضارية تعكس رسالة الأزهر للعالم.

لقد حمى المرصد آلاف الشباب من الوقوع في فخ التطرف، وفتح أمامهم أبواب الفكر المستنير كما أعاد إلى الخطاب الديني مكانته الحقيقية كأداة بناء لا هدم، وكجسر للتواصل لا للحصار.

لكن الطريق ما زال طويلاً فمع توسع الفضاء الرقمي وتعدد منصات الكراهية، تبرز الحاجة إلى تطوير أدوات المرصد، وتعزيز تعاونه مع المؤسسات الدولية والإعلامية والبحثية، حتى تظل رسالته ممتدة في كل اتجاه.

الأزهر ومنارة الوعي الإنساني

من بين ضجيج العالم، يظل صوت الأزهر ومرصده للتطرف صوت العقل والحكمة.
إنه صوت يقول للعالم إن الإسلام لا يُواجه بالسلاح بل بالفكر، وإن التسامح ليس ضعفًا بل قوة، وإن بناء الوعي هو أعظم جهاد في زمن الكراهية.

تم نسخ الرابط