«الريفييرا».. هل ضاقت عليهم الأرض؟

تشير الأرقام الصماء إلى أن مساحة الولايات المتحدة الأمريكية تتجاوز 9.8 ملايين كيلومتر مربع، وأن مساحة دول الاتحاد الأوروبي تصل إلى نحو 4.3 ملايين كيلومتر مربع أخرى، وأن مساحة دول حلف شمال الأطلسي تزيد على 27 مليون كيلومتر تغطي 32 دولة، تشمل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وكندا ودولاً أخرى أوروبية قليلة.
وتمتد هذه المساحات لتلك الكيانات الثلاثة على قارة أمريكا الشمالية والقارة الأوروبية من أقصى جنوبها لأقصى شمالها، شاملة أراضي زراعية شاسعة وثروات طبيعية هائلة ومناخات متنوعة، وتطل على بحار عديدة والمحيط الأطلسي، وتضم مساحات كبيرة تكاد تكون خالية من السكان.
على الرغم من كل هذا، فاجأنا الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قبل 6 شهور بخطته التي ترى في قطاع غزة المنكوب، منطقة ممتازة للاستثمار العقاري والسياحي، ما يجعل الأفضل له حسب رأيه أن تستولي عليه الولايات المتحدة.
وتخليه من سكانه، لكي تحوله إلى «ريفييرا الشرق الأوسط». وبعد تراجعات هنا ومناورات هناك طيلة الشهور الماضية، كشفت صحيفة واشنطن بوست، عن أن إدارة الرئيس ترامب تدرس خطة من 38 صفحة لما بعد الحرب على غزة، تقضي بأن تتولى الولايات المتحدة إدارة القطاع لفترة لا تقل عن 10 سنوات، مع إعادة تطويره وتحويله إلى مركز سياحي وصناعي، مع نقل سكانه إلى بلد آخر أو إلى مناطق محددة داخل القطاع خلال إعادة الإعمار، بشكل مؤقت، على أن يحصل كل من يغادر على 5 آلاف دولار نقداً، ومساعدات غذائية لمدة عام، إضافة إلى إعانات لتغطية إيجار سكنه 4 سنوات.
مع وجود تلك المساحات الشاسعة والثروات الهائلة بكافة أنواعها، والتي تشملها ملايين الكيلومترات المربعة التي تضمها الكيانات الثلاث التي تعد الولايات المتحدة مركزها المسيطر، لا يستطيع عاقل تفسير ما طرحه الرئيس ترامب بخصوص غزة.
وما نشرته صحيفة الواشنطن بوست من تفاصيل محددة لخطته لتطبيقه.. فقطاع غزة لا تزيد مساحته الكلية على 365 كيلومتراً مربعاً، ويمتد على ساحل البحر المتوسط بشاطئ طوله 41 كيلومتراً فقط، بينما تكتظ بأكثر من مليوني فلسطيني تعد كثافتهم في الكيلومتر المربع من أعلى المعدلات في العالم بمتوسط 6000 نسمة.
لا شيء واحداً في قطاع غزة يشير إلى أنه يصلح لإقامة هذه «الريفييرا» التي يطمح إليها الرئيس ترامب، بكل ما أضافته خطة الواشنطن بوست من تفاصيل مذهلة.
ويكتمل التساؤل والاندهاش عند مقارنة ما لدى واشنطن وحلفائها مما سبق ذكره من ملايين الكيلومترات الممتدة على أغنى بقاع الكرة الأرضية، بما يمكن الرئيس الأمريكي أن يقيم بها عشرات من «الريفييرا» والمدن والتجمعات السياحية والاقتصادية التي تدار بالذكاء الاصطناعي حسب الخطة المنشورة.
الأمر وإن كان يتم تقديمه بمظهر اقتصادي استثماري، فهو في حقيقته أبعد ما يكون عن هذا.. وإعطاء هذا المظهر، سواء عبر تصريحات الرئيس الأمريكي والخطة المسربة، متعمد والمقصود منه هو إخفاء هذه الحقيقة، والتي لا تبتعد مليمترات قليلة عن هدف اليمين الإسرائيلي المتطرف بإخلاء القطاع من أهله بكل السبل القسرية والمسماة طوعية، والضم المتتالي والنهائي للضفة الغربية.
والقضاء النهائي على مشروع الدولة الفلسطينية. ليس هناك من اقتصاد أو استثمار في هذا التصور وتلك الخطة، فلا يوجد بائع لأرض غزة يمكنه التنازل عنها وقبض تلك الأثمان الزهيدة.
ولا يوجد مستثمر واحد ولو نصف مجنون، يمكن له أن يفكر في ضخ مليارات الدولارات لإقامة هذه «الريفييرا» المشتعلة حرباً من الداخل والمحاطة وبحسب تعبير نتانياهو بسبع حروب في المنطقة، والتي يخيم عليها صراع العقود الطويلة منذ قيام إسرائيل.
إن الأمر على الأرجح هو خليط من أهداف إسرائيلية دينية شديدة التطرف ليس في فلسطين فقط ولكن في المنطقة كلها (إسرائيل الكبرى)، مع رؤى دينية لدى الإدارة الأمريكية، مع أضغاث أحلام هيمنة اقتصادية عالمية لها.
وسياسية بداخل الولايات المتحدة تهدف إلى هدم بناها المختلفة التي مر عليها 250 عاماً وإقامة أخرى لا صلة لها بهذا التاريخ الطويل.. وإلا: فهل ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، لإقامة تلك الريفييرا في أرض الدم والإبادة الجماعية.. قطاع غزة؟
..
ضياء رشوان.. باحث وكاتب مصري ورئيس هيئة الاستعلامات المصرية
نقلا عن البيان الإماراتية