رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

الإفتاء تحسم الجدل.. خروج الزوجة للمسجد دون إذن زوجها بين الطاعة والعبادة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالًا من إحدى السيدات، تسأل فيه: هل يجوز لها الذهاب إلى المسجد يوميًّا من الصباح حتى الثالثة بعد الظهر دون إذن زوجها؟ وهل يجوز أن تزور أقاربها أو صديقاتها رغمًا عنه؟ وهل يحق لها التبرع من مال زوجها للمسجد دون علمه أو إذنه؟

أسئلة تبدو بسيطة، لكنها في جوهرها تكشف عن قضية عميقة تمس جوهر العلاقة الزوجية، وتوازن الحقوق بين الزوج والزوجة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالعبادة والطاعة والمال.

جاء رد دار الإفتاء المصرية حاسمًا: لا يجوز للزوجة أن تخرج إلى المسجد للصلاة دون إذن زوجها، بل إن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، استنادًا إلى قول النبي ﷺ:

«خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ» [رواه أحمد وغيره].
وأوضحت الإفتاء أن خروج المرأة لتعلم العلم الواجب  وهو فرض عين لا يحتاج إذن الزوج، إلا إذا وفر لها وسائل العلم داخل البيت. أما فيما عدا ذلك، فطاعتها لزوجها مقدمة، وخروجها دون علمه يُعد مخالفة.

طاعة الزوج.. حدودها وضوابطها

أكدت الإفتاء أن على المرأة طاعة زوجها في المعروف، مستندةً إلى قوله تعالى:

﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: 34].
كما استشهدت بحديث النبي ﷺ:

«لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» [رواه الترمذي].
وهذا يبين عظم مكانة طاعة الزوج، واعتبارها من أعظم حقوقه على زوجته.

الصلاة في البيت أفضل للمرأة

النصوص الشرعية لا تمنع المرأة من الذهاب إلى المسجد، لكن جاءت الأحاديث لتؤكد أن الأفضل لها أن تصلي في بيتها، ومن ذلك قول النبي ﷺ:

«صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي حُجْرَتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي دَارِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي دَارِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِيمَا سِوَاهُ» [رواه الطبراني].

«مَا صَلَّتِ امْرَأَةٌ مِنْ صَلَاةٍ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ أَشَدِّ مَكَانٍ فِي بَيْتِهَا ظُلْمَةً» [رواه الطبراني وابن خزيمة].
غير أن هناك أيضًا توجيهًا نبويًا بعدم منع النساء من المساجد، حيث قال ﷺ:

«لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» [رواه أبو داود].


وهذا التوازن يوضح أن الإسلام لم يحرم على المرأة ارتياد المسجد، لكنه اعتبر البيت المكان الأفضل لعبادتها، مع ترك الأمر للظروف وطاعة الزوج.

زيارة الأقارب والصديقات.. مشروطة بالإذن

أما فيما يتعلق بزيارة الأقارب أو الصديقات، فقد شددت الإفتاء على أنه لا يجوز للزوجة أن تقوم بذلك إلا بإذن زوجها، لأن الخروج من البيت بغير إذنه يعد تعديًا على حقه في القوامة، ويعرضها لوصف "النشوز" الذي يترتب عليه سقوط نفقتها.

تبرع الزوجة من مال الزوج.. متى يجوز؟

الشق الثالث من السؤال تعلق بحق المرأة في التبرع من مال زوجها للمسجد أو لغيره وقد أوضحت الإفتاء أن الأصل هو وجوب حفظ مال الزوج وعدم التصرف فيه إلا بإذنه.

وجاء في الحديث الشريف:

«إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَه نِصْفُ أَجْرِهِ» [رواه البخاري].

«لا تُنْفِقُ امْرَأَةٌ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» [رواه الترمذي].
وبذلك، فإن تصدقها من ماله بغير إذنه في الأمور اليسيرة التي تسمح بها نفسه جائز بنصف الأجر، أما إن كان كثيرًا أو قليلًا لا يرضاه، فيحرم عليها.

الطاعة أساس الاستقرار

من خلال هذه النصوص والأحكام يتبين أن الإسلام أقام العلاقة الزوجية على أساس القوامة والطاعة في المعروف، وجعل طاعة الزوجة لزوجها حقًا واجبًا، مع عدم حرمانها من العبادة أو طلب العلم، لكن في إطار لا يخل بواجبها الأسري.

فالزوجة التي تذهب للمسجد أو تتبرع أو تزور أقاربها دون إذن زوجها تكون قد خالفت هذا المبدأ، بينما الزوج مأمور في المقابل بالرفق والعدل، وعدم منعها من الطاعات المشروعة أو العلم النافع.

 

 

تم نسخ الرابط