رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

الإفتاء: أرباح لايفات تيك توك دون محتوى هادف حرام شرعًا

تعبيرية
تعبيرية

في ظل الانتشار المتزايد للبثوث المباشرة على تطبيقات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها "تيك توك"، أطلقت دار الإفتاء المصرية تحذيرًا شديد اللهجة حول ممارسات عدد من المستخدمين الذين يحققون أرباحًا طائلة دون تقديم محتوى هادف أو نافع.

وقد جاء هذا التحذير على لسان الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، في تصريحات تلفزيونية أثارت ردود فعل واسعة داخل الأوساط الدينية والاجتماعية، خاصة مع تزايد حالات تحقيق الربح من مجرد الظهور أمام الكاميرا دون تقديم قيمة حقيقية للمجتمع.

الشيخ عويضة وصف الظاهرة المنتشرة بـ"التسوّل المقنّع"، مؤكدًا أن بعض المستخدمين يكتفون بالجلوس أمام الكاميرا، دون حديث مفيد أو حوار مثمر أو محتوى ديني أو علمي، ومع ذلك يتلقون هدايا وهبات من المتابعين، تتحول بدورها إلى أموال حقيقية.

وقال: "إن هذا السلوك، الذي بات شائعًا، لا يختلف كثيرًا عن التسوّل، بل ربما يكون أسوأ منه، لأن صاحبه لا يقدّم شيئًا مقابل ما يحصل عليه، بل يستهين بقيم المجتمع ويستغل سذاجة المتابعين بحثًا عن المال السهل".

وتابع بأن هذا النوع من الكسب يمثل "تعديًا على الأخلاق"، و"انفصالًا عن روح الدين"، ويجسّد "هيمنة المال على العقل والوجدان"، مما يؤدي إلى نتائج كارثية على الصعيدين الاجتماعي والتربوي، خاصة بين الأجيال الشابة التي تتأثر بتلك النماذج.

"فضيحة أخلاقية".. انتهاك لخصوصية البيوت وتكريس لقيم مادية بحتة

في حديثه، لم يخفِ الشيخ عويضة قلقه مما وصفه بـ"الفضيحة الأخلاقية والاجتماعية"، حيث أصبحت الكاميرات تقتحم تفاصيل الحياة الشخصية دون رقيب، وتُنقل مشاهد لا تليق بكرامة البيت المسلم، بل وتتحول الخصوصية إلى سلعة تُباع وتُشترى في سوق لا تحكمه ضوابط أخلاقية ولا دينية.

وأشار إلى أن هذه الظاهرة تعكس ما وصفه بـ"الانهيار في المعايير"، حيث لم يعد هناك وازع داخلي يردع البعض عن تقديم أنفسهم بصورة لا تليق، فقط من أجل المال وطالب من يمارسون هذه الأساليب بـ"مراجعة أنفسهم توبةً إلى الله"، قبل أن يتحوّل الأمر إلى وباء أخلاقي يصعب احتواؤه.

واختتم بقوله: "ما كنا نتصور أن يأتي اليوم الذي تُفتح فيه الكاميرات فقط لكسب المال دون تقديم أي قيمة تُذكر"، داعيًا إلى ضرورة تدخل المؤسسات الدينية والثقافية لمواجهة هذا الانحدار، ومخاطبة الشباب بلغة تجمع بين الحكمة والوضوح.


ربح من حرام.. المفتي يوضح موقف الشريعة من المال المغصوب وأرباحه

وفي سياق متصل، تناولت دار الإفتاء المصرية مسألة أخرى لا تقل خطورة، تتعلق بالكسب غير المشروع، ولكن من زاوية مختلفة، وهي الربح الناتج عن استغلال أموال مغصوبة.
ففي فتوى رسمية نُشرت على موقع الدار، ردًا على سؤال حول حكم من اغتصب مالًا من زميله ثم استثمره فربح، أوضح فضيلة الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، أن الشريعة الإسلامية لا تُجيز الانتفاع بهذا المال، بل تُوجب رده بالكامل إلى صاحبه، سواء رأس المال أو الأرباح.

وأكد فضيلته أن "التجارة في مال مغصوب تُعدّ باطلة شرعًا"، وأن كل ربح ناتج عنها لا يجوز لصاحبه الاحتفاظ به، بل يُعدّ امتدادًا لعملية الغصب ذاتها، لأن المال الأصلي ليس ملكًا له، وبالتالي لا يحق له أن ينتفع بنتائجه.

واستند في ذلك إلى قوله تعالى: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" [البقرة: 188]،مؤكدًا أن التعدي على أموال الآخرين يُعدّ من أبشع صور الظلم، وهو كبيرة من الكبائر التي تستوجب التوبة ورد الحقوق.

تكشف هاتان القضيتان عن عمق الفجوة التي بدأت تتسع بين القيم الدينية والسلوكيات الرقمية المنتشرة، حيث تُستباح الأموال وتُستثمر الوسائل الحديثة في غير ما خُلقت له، ويُستبدل السعي بالشهرة، والاجتهاد بالادعاء، والمضمون بالصورة، حتى غابت الحدود الفاصلة بين الجائز والمحرم، وبين الكسب المشروع والتحايل المحترف.

وإذا كانت التكنولوجيا قد فتحت آفاقًا واسعة للتعبير والتواصل، فإنها في المقابل فتحت أبوابًا للتربح السهل الذي لا يقوم على اجتهاد أو إبداع، بل على استغلال الانتباه وتوظيف الفراغ، وهو ما تُحذر منه المؤسسات الدينية، لما له من تبعات تربوية ونفسية خطيرة، خاصة على الأجيال الجديدة

دعوة إلى وقفة مجتمعية: القيم أولًا.. قبل المال والشهرة

في ختام هذه الرؤية الشرعية والاجتماعية، تبدو الحاجة ملحّة إلى إعادة ترتيب الأولويات، وإلى دعوة شاملة تتبناها الأسرة والمدرسة والإعلام والمؤسسات الدينية، للتأكيد على أن القيمة الحقيقية لا تُقاس بعدد المشاهدات، ولا تُترجم بعدد الهدايا الرقمية، بل تُقاس بمدى التأثير الإيجابي في حياة الناس، والنية الصادقة في النفع لا الكسب.

 

تم نسخ الرابط