تاريخ على فوهة مسدس.. كيف صنعت جماعة الإخوان سجلها بالدم؟

منذ تأسيسها في ثلاثينيات القرن الماضي، رسمت جماعة الإخوان المسلمين طريقها على جثث القضاة ورجال الدولة، وسَكبت تاريخها بحبرٍ من الدم، لا يتعلق الأمر بحوادث فردية، بل هو نهج راسخ، ومنهج مدروس، تقوده أذرع سرية وتنظيمات مسلحة داخل الجماعة، هدفها تصفية كل من يعترض طريق مشروعها، حتى وإن كان يرتدي روب القضاء أو يحمل لقب رئيس وزراء، أو رئيس جمهورية.
في صباح 22 مارس عام 1948، خرج المستشار أحمد الخازندار من منزله متجها إلى مقر عمله بمحكمة الاستئناف، يحمل ملفات قضية "تفجيرات سينما مترو" المتورط فيها أعضاء من جماعة الإخوان، لم يكن يعلم أن رصاصات الغدر تنتظره، أمام بوابة بيته بحلوان، عاجله عنصران من الجماعة، حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم، بوابل من الرصاص، ليسقط قاضيا مصريا شهيدًا في لحظة دفاع عن دولة القانون.
كانت تلك الجريمة باكورة سلسلة اغتيالات دموية قادها التنظيم الخاص لجماعة الإخوان بقيادة عبد الرحمن السندي، والذي أسسه حسن البنا لتكون اليد الباطشة للجماعة، مكلفًا بما أسماه "الجهاد"، بينما كان المعنى الحقيقي هو التصفية الجسدية لمن يخالف أو يعارض.
في نفس العام لم تمضِ سوى أشهر حتى وقعت جريمة اغتيال أخرى زلزلت البلاد، حين اغتيل محمود فهمي النقراشي باشا، رئيس الوزراء، داخل وزارة الداخلية على يد شاب من الإخوان متنكر بزي ضابط شرطة، باغته بخمس طلقات أردته قتيلًا، ويذكر أن النقراشي كان قد أصدر قرارًا بحل الجماعة، فجاء الرد سريعًا بالرصاص.
وفي عام 1945، كان أحمد ماهر باشا، رئيس وزراء مصر، هو الهدف التالي، تم اغتياله على يد محمود العيسوي داخل البرلمان، بزعم اعتراض الإخوان على موقف الحكومة من الحرب العالمية الثانية، حاولت الجماعة التملص، لكن شهادة القيادي الإخواني السابق أحمد حسن الباقوري حسمت الأمر، مؤكدًا أن العيسوي كان عضوًا نشطًا في النظام الخاص.
الدم ظل يسيل في مايو 1949، حيث استأجر أعضاء من التنظيم الخاص منزلًا بمصر القديمة لتنفيذ محاولة اغتيال رئيس الوزراء آنذاك إبراهيم عبد الهادي، رصدوا تحركاته بدقة، وفي اليوم المحدد، أطلقوا النيران على سيارة اعتقدوا أنها تخصه، نجا عبد الهادي، لكن رسالتهم كانت واضحة: "نحن هنا، ولن نغيب".
وكان الحدث الأخطر في نهاية الأربعينات هو حادث "سيارة الجيب" الشهير، حين ضبطت السلطات المصرية مركبة محملة بوثائق سرية وأسلحة وخرائط تخص التنظيم الخاص، كشفت التحقيقات عن وجود 32 قياديًا بالتنظيم، من بينهم عناصر خططت ونفذت اغتيالات الخازندار والنقراشي.
على مدار العقود التالية، حافظت الجماعة على ازدواجية خطابها، بين علنية سلمية وخفاء دموي، في الجامعات، لم تكن المنابر إلا واجهة لتسليح الطلاب وتجنيدهم في خلايا عنف، في السبعينات والثمانينات، تم توثيق وقائع تثبت إدخال أسلحة بيضاء داخل الحرم الجامعي، وتدريبات على الاشتباك، بل وإنشاء "كتائب" تحت مسميات دينية.
ومع ثورة 25 يناير، خرج التنظيم السري من مخبئه، وبعد وصول الجماعة للحكم في 2012، بدأت عملية إعادة هيكلة للعناصر المسلحة داخلها، وتكوين تشكيلات أكثر تطورًا، مثل حركة "حسم" و"لواء الثورة"، وهما ذراعان عسكريتان للجماعة نفذتا عشرات العمليات الإرهابية.
بلغت الجرائم ذروتها في 29 يونيو 2015، حين تم استهداف النائب العام المستشار هشام بركات بسيارة مفخخة أثناء خروجه من منزله في مصر الجديدة ، وأثبتت التحقيقات أن منفذي العملية تلقوا تدريبات في غزة، بتمويل ودعم مباشر من عناصر إخوانية داخل مصر وخارجها.
لم تكن الداخلية المصرية بعيدة عن ساحة المواجهة، فعقب ثورة 30 يونيو، تم تنفيذ خطة شاملة لملاحقة بؤر الإرهاب، أسفرت عن تصفية المئات من عناصر الجماعة المسلحة، وتفكيك خلاياها، ومنها خلايا "كتائب حلوان"، و"أجناد مصر"، و"حسم"، والقبض على رموز خطيرة مثل عادل حبارة وهشام عشماوي، الذي أُعيد من ليبيا إلى القاهرة بعد عملية أمنية معقدة.