البورصة تفحص ملفات بلتون.. ومصادر: شكاوى متعددة حركت الجهات المعنية

في تطور لافت في سوق المال المصري، كشفت مصادر مطلعة لموقع "تفصيلة"، أن إدارة البورصة بدأت مراجعة موسعة لملفات شركة بلتون المالية القابضة، على خلفية ما وصفتها المصادر بـ"شكاوى متكررة من مستثمرين وخبراء اقتصاد" بشأن أداء الشركة، وملف الحوكمة، وتضخيم الأرباح، والغموض الذي يكتنف توسعاتها الأخيرة.
وبينما تلتزم الجهات الرسمية بسرية الإجراءات حتى الآن، تؤكد المصادر أن الدراسة الجارية تشمل فحص نتائج الأعمال، وهيكل التمويلات، وآليات التوسع، في ظل مؤشرات قوية على فجوة متسعة بين ما تُعلنه بلتون وما يجري فعليًا على الأرض.
شكاوي أصحاب الأسهم خرجت من نطاق البورصة لتصل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، والتي عجت بكثير من الشكاوي وتضررهم ما وصفوه بتجاوزات الشركة واستفسارهم عن طريقة التقديم بشكوى للجهات المعنية.
وقال أحد حملة الأسهم نصا: "بصراحة اللى بتعمله بلتون دى مهزلة بكل المقاييس ده مش أسلوب استثمار ولا بيزنس ده أسلوب نصب علني، إزاي ادارة البورصة المصرية سمحت بالمهازل دي؟".
تمويل بلا تمويل.. هل تبيع بلتون الوهم؟
منذ استحواذ مجموعة خليجية على بلتون، بدأت الشركة حملة توسعات ضخمة شملت الإعلان عن كيانات جديدة في الذكاء الاصطناعي، والاستثمار المباشر، وصناديق رأس المال المخاطر، لكن مراجعة سريعة تكشف أن جزءًا كبيرًا من هذه "النجاحات" يعتمد على تمويلات غير واضحة المصدر أو تفتقر للتنفيذ العملي.
فعلى سبيل المثال، أعلنت الشركة عن إنشاء "روبن" — شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي — بتمويلات ضخمة، وعقود مفترضة مع عملاء في الخليج والمغرب؛ لكن البحث في قواعد بيانات الشركات، والجهات التنظيمية، وسجلات المشاريع، لم يُظهر أي تواجد فعلي لهذه الشركة خارج مصر، ولا دليل على تنفيذ مشاريع بقيمة تقترب من 1.2 مليار دولار كما زُعم.
أرباح مذهلة.. لكن من أين؟
بلغ صافي ربح بلتون في 2024 نحو 1.7 مليار جنيه، بزيادة تتجاوز 1200% مقارنة بعام سابق.
ورغم هذا الأداء المذهل، تُظهر البيانات أن الجزء الأكبر من الأرباح تحقق من شركات تابعة، وقروض داخلية، وتمويلات من الشركة الأم، بينما تراجعت الأرباح المستقلة لبلتون القابضة بشكل كبير.
وعلى سبيل المثال، سجلت الشركة أرباحًا مجمعة قدرها 747 مليون جنيه، في الربع الأول من 2025، في حين لم تتجاوز الأرباح المستقلة 22.8 مليون جنيه، مقارنة بـ263 مليون جنيه لنفس الفترة من العام السابق.
هذا التناقض يُثير الشكوك حول جودة الأرباح، وحقيقة الأنشطة التشغيلية للشركة.
توسعات بلا مردود.. هل تهرب بلتون إلى الأمام؟
رفعت بلتون رأسمالها إلى 21.4 مليار جنيه عبر اكتتابات ضخمة، لكنها لم تنجح في تغطية كامل الطرح، مما يعكس تراجع ثقة المستثمرين.
كما أطلقت سلسلة شركات، مثل "كاش" و"بلتون للتمويل العقاري"، ووقعت اتفاقيات في إفريقيا والخليج، لكنها لم تقدم بعد دليلًا على الأثر التشغيلي الحقيقي لهذه الكيانات.
مصادر مصرفية تشير إلى أن جزءًا من هذه التوسعات قد يكون مدفوعًا بالرغبة في ترحيل الخسائر أو خلق زخم إعلامي يُسهم في رفع التقييم السوقي، أكثر من كونه نتاج استراتيجية نمو مستدامة.
قروض وتحالفات بلا عائد
تُعلن بلتون باستمرار عن تحالفات مع صناديق أوروبية وخليجية، وتمويلات بمليارات الجنيهات لمشاريع كبرى، منها تمويل إنشاء استاد الأهلي، ومشاريع طاقة مستدامة، لكن لم تُرصد أي خطوات تنفيذ حقيقية حتى الآن.
بل وأكثر من ذلك، بعض هذه القروض — مثل قرض الـ20 مليون دولار من صندوق ألماني — لم تُعلن عنه الجهات المانحة نفسها، مما يُثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التمويلات حقيقية أم مجرد أدوات تسويقية لتحسين شكل الميزانية.
روبن.. نموذج "الشركة عند الطلب"
إطلاق "روبن لحلول الذكاء الاصطناعي" في وقت تواجه فيه بلتون تراجعًا حادًا في أرباحها المستقلة، دفع خبراء اقتصاديون للتساؤل: هل تحاول الشركة صرف الانتباه عن أدائها المالي الفعلي عبر مشاريع جديدة؟
كما أنه لا توجد معلومات تقنية أو تجارية موثقة عن روبن، ولا بيانات تدعم حجم النشاط المعلن، بالإضافة إلى أن الشركة تعمل في مجال بعيد عن تخصص بلتون الأصلي، وهو ما فسره البعض بمحاولة لتسويق "مستقبل جديد" يخفي خلفه صعوبات مالية متزايدة.
المرأة المحصنة.. النفوذ يتراجع في صمت
في خلفية هذا المشهد، تبرز شخصية نُظر إليها طويلاً باعتبارها "اليد الخفية" وراء كثير من تحركات بلتون، وكان يُشار إليها في الأوساط الاقتصادية بلقب "المرأة المحصنة".
لكن وفق مصادر مطلعة، فإن هذه الشخصية بدأت تفقد حضورها تدريجيًا، بالتزامن مع فتح ملفات كانت محظورة من قبل.
المصادر ذاتها تشير إلى أن التغييرات في هيكل الرقابة وشهية الدولة لتصفية الملفات الرمادية ساهمت في كسر الحصانة غير الرسمية التي تمتعت بها هذه الشخصية لسنوات، مما يعزز التوجه نحو مزيد من الشفافية في السوق.
هل تُعيد البورصة ضبط إيقاع السوق؟
التحقيق في أداء بلتون قد يكون مؤشراً على تحول أوسع في سياسة البورصة المصرية تجاه الشركات التي تلجأ للتضخيم المالي أو البيانات غير الموثقة، خصوصًا في ظل محاولات الدولة إعادة هيكلة بيئة الاستثمار لتصبح أكثر جاذبية وشفافية.
المصادر تؤكد أن التحقيق لن يقتصر على بلتون فقط، بل سيكون مقدمة لمراجعة سياسات بعض الشركات القابضة والمالية الأخرى التي تعتمد على آليات تمويل معقدة وبيانات غير مفصح عنها بدقة.
بلتون اليوم تقف في منطقة رمادية بين الزخم الإعلامي والأرقام المبهرة من جهة، وبين واقع مالي غامض وتراجع في مؤشرات الأداء الحقيقي من جهة أخرى.
التحقيق الجاري من البورصة قد يكشف الكثير عن حقيقة ما يجري، وربما يعيد ترتيب ملامح مشهد مالي كانت فيه الشركة نجمة لامعة، ولكن من غير المؤكد إن كانت ستستمر كذلك.