من الوديعة إلى الاستثمار.. القاهرة والكويت تؤسسان شراكة اقتصادية جديدة

في لحظة تُعيد فيها الجغرافيا الاقتصادية تشكيل تحالفاتها، فتحت القاهرة والكويت بابًا جديدًا لتعزيز الشراكة بينهما؛ ليس على أساس الدعم التقليدي، بل على قاعدة استثمارية تتسم بالندية والمصالح المشتركة.
فلم يعد الحديث يدور فقط حول وديعة مالية لدى البنك المركزي المصري، بل عن إعادة تدويرها داخل الاقتصاد كاستثمار مباشر يخدم الطرفين، ويعزز من مكانة مصر كمركز إقليمي للنقل والخدمات اللوجستية، ويفتح للكويت آفاقًا جديدة للربحية والتأثير في قلب السوق المصرية.
الكويت تطرق أبواب الاستثمار في مصر
بحث رئيس مجلس الوزراء الكويتي، الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح، مع نائب رئيس الوزراء المصري، الفريق كامل الوزير، آليات تحويل الوديعة الكويتية لدى البنك المركزي المصري إلى استثمارات حقيقية على الأرض، بما يدفع التعاون بين البلدين إلى مستويات أكثر عمقًا واستدامة.
حضر اللقاء مسؤولون كبار من الجانبين، من بينهم وزيرة الأشغال العامة والنقل الكويتية نورة المشعان، وسفير مصر لدى الكويت أسامة شلتوت.
كما تطرقت المباحثات إلى ثلاثة ملفات اقتصادية رئيسية تمثل خارطة طريق للتعاون المستقبلي، أولها: تعظيم الاستثمارات الكويتية في الموانئ المصرية والمناطق الصناعية واللوجستية، وثانيها: تسهيل دخول الشركات المصرية للمنافسات الحكومية الكويتية، وثالثها – وربما الأهم – هو تفعيل تحويل الوديعة الكويتية إلى استثمار مباشر.
قدم الفريق كامل الوزير، الذي يقود ملفات النقل والبنية التحتية في مصر، عرضًا موسعًا لجهود الدولة في تحديث بنيتها التحتية، خاصة في مجالات الموانئ، والممرات اللوجستية، والتكامل الصناعي.
وأكد أن الوفد المصري يضم 17 شركة متخصصة في تنفيذ المشروعات العملاقة، وهي شركات تمتلك خبرات كبيرة وتعمل وفق معايير دولية، ما يجعلها مؤهلة للمساهمة في المشاريع الكبرى التي تخطط لها الحكومة الكويتية.
وأشار الوزير إلى أن مصر لا ترى في الكويت شريكًا ماليًا فقط، بل شريكًا تنمويًا طويل الأجل، قادرًا على الاستفادة من الفرص الكبيرة التي يتيحها الاقتصاد المصري، في وقت يشهد فيه استقرارًا ماليًا وسياسيًا وتحسنًا ملحوظًا في مناخ الاستثمار.
ودائع تتحول إلى قوة مؤثرة
أضاف الوزير أن استراتيجية النقل المصرية تستهدف تحويل البلاد إلى مركز إقليمي لحركة التجارة والترانزيت، من خلال إنشاء 7 ممرات لوجستية متكاملة، ودمج الموانئ البحرية والجافة بشبكات السكك الحديدية والطرق السريعة، وهو ما جعل مصر وجهة جاذبة لكبرى الخطوط الملاحية العالمية، حيث تم التعاقد مع 6 من أكبر هذه الخطوط، بالإضافة إلى 7 من المشغلين الدوليين.
وفي سياق متصل، قال السيد خضر، الخبير الاقتصادي، إن الحديث عن تحويل الوديعة الكويتية إلى استثمار مباشر يحمل عدة مكاسب، من أبرزها حماية القيمة الحقيقية للأموال من التآكل، وضمان دور للكويت في المشاركة بالمشروعات المصرية الكبرى، وفتح الباب أمام مزيد من التعاون في قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا، والطاقة، والذكاء الاصطناعي.
وأضاف: «هذه التطورات، بينما تواجه المنطقة تحولات اقتصادية كبيرة، دفعت الدول العربية إلى التفكير في نماذج أكثر تطورًا للتعاون، لا تقوم فقط على المنح والمساعدات، بل على تبادل المصالح والاستثمار في المشروعات ذات القيمة المضافة، كما أن الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أصبحت أكثر جاهزية من أي وقت مضى لجذب رؤوس الأموال الخليجية، من خلال توفير حوافز قوية، وضمانات قانونية، وبنية تحتية متطورة، فضلًا عن سوق استهلاكية ضخمة تتجاوز 110 ملايين نسمة».
وتابع: «إذا ما اكتمل مسار هذا التحول، فنحن أمام نموذج عربي جديد للعلاقات الثنائية، لا يكتفي بالشعارات، بل يبني على الأرض شراكات راسخة تُحرّك عجلة الاقتصاد، وتُعزز الأمن القومي للجانبين».