المصريون ينتفضون ضد شركات الاتصالات: «كفاية استغلال.. عايزين إنترنت غير محدود»

في تحرك رقمي غير مسبوق، اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية سيل من التدوينات والمنشورات الغاضبة التي تطالب شركات الاتصالات العاملة في مصر بوقف ما وصفه المواطنون بـ"الاستنزاف المادي اليومي"، ودعم مبادرة تحمل شعار: "ادعموا حملة الإنترنت غير المحدود في مصر"، والتي تطالب بإلغاء نظام باقات الإنترنت المنزلي القائم على عدد الجيجات، واستبداله بخدمة إنترنت غير محدودة قائمة على سرعة الاستخدام، كما هو معمول به في معظم دول العالم.
الاحتجاجات الإلكترونية التي يقودها المواطنون عبر منصات مثل فيسبوك وتويتر وتيك توك جاءت في ظل حالة استياء شعبي واسع، نتيجة الارتفاع المستمر في أسعار الباقات مقابل انخفاض الجودة وانتهاء الباقات سريعاً، ما يدفع المستخدمين لشحن رصيدهم أكثر من مرة شهرياً، وسط أزمة اقتصادية طاحنة تمر بها البلاد.
حملات على فيسبوك
جروب فيسبوك خاص بالحملة تخطى خلال أيام قليلة حاجز نصف مليون متابع، وشهد تفاعلاً واسعاً من جميع المحافظات، وسط دعوات مستمرة بمقاطعة الشركات والضغط عبر البرلمان لإحداث تغيير حقيقي في سياسة التسعير والخدمة.
"ليه بندفع 3 مرات في الشهر عشان نفتح الإنترنت؟.. ليه بنشوف رسالة ‘استهلكت 80% من الباقة’ بعد يومين من الشحن؟..ليه السعودية نجحت وإحنا ساكتين؟"
بهذه العبارات عبر آلاف المستخدمين عن استيائهم في تعليقات وهاشتاجات حملت رسائل مباشرة لمجلس النواب ووزارة الاتصالات، مطالبين فيها بإلغاء نظام الجيجا بايت والتحول لنظام سرعة إنترنت مفتوح، كما هو معمول به في دول مثل السعودية والإمارات والعراق.
الحملة استشهدت بتجربة حملة "راح_نفلسكم" الشهيرة التي أطلقها السعوديون عام 2015 ضد شركات الاتصالات، والتي أدت في النهاية إلى تحسين الخدمات وتوفير باقات غير محدودة بأسعار مناسبة، وهو ما جعل المصريين يتساءلون: "لماذا لا نملك نفس الحق؟"
في المقابل، التزمت الشركات الرسمية الصمت حتى الآن، بينما اشتكى عدد كبير من المواطنين من *تجارب متكررة مع انقطاع الخدمة، وتراجع السرعة، وخصم الرصيد دون استهلاك فعلي*. أحد المشاركين في الحملة كتب:
"كل مرة أشحن بدري ألاقي الباقة القديمة طارت.. نصب رسمي وشركات بتشفط كل قرش مننا."
الهدية لم تصل
وفي موقف متكرر، أرسل أحد مزودي الخدمة رسالة نصية للمستخدمين تقول: "10 جيجا هدية لمدة أسبوع اعتذاراً عن الأعطال الأخيرة". لكن المفاجأة – بحسب العديد من الشكاوى – أن الباقة "الهدية" لم تصل، أو انتهت مباشرة بسبب العطل الذي استمر ليومين، وهو ما وصفه البعض بأنه "أسلوب تخدير نفسي" وليس حلاً حقيقياً.
مطالب المواطنين لم تتوقف عند جودة الإنترنت فقط، بل وصلت إلى اتهامات متكررة بالاحتكار واستغلال غياب المنافسة الحقيقية، وغياب آليات رقابة فاعلة، مطالبين الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بالتدخل الفوري لإنقاذ الوضع قبل أن يتحول إلى أزمة مجتمعية أوسع.
من جانب آخر، تداول نشطاء منشورات تعود إلى عام 2020، حين أطلقت حملة مشابهة، لكنها واجهت ما سموه بـ"التخويف الإعلامي" من تحول مصر إلى نموذج مشابه لدول تعاني من تراجع البنية التحتية، مثل العراق حينها. إلا أن المفارقة، كما يرى الناشطون، أن العراق نفسها تجاوزت الأزمة وأصبح لديها إنترنت غير محدود في 2024، بينما لا تزال مصر تراوح مكانها.
في ظل الصمت الرسمي، اتجه المواطنون لتكرار المطالبات بصوت أعلى، حيث كتب أحد المشاركين:
"لو كل واحد قال أنا مش هفرق، يبقى فعلاً مفيش حاجة هتتغير.. لكن إحنا كتير، وإيد واحدة تفرق."
وتحذر الحملة من تفاقم الأثر النفسي والمادي على ملايين الطلاب والموظفين والعاملين في مجالات العمل عن بعد، ممن أصبح الإنترنت أداة أساسية في حياتهم، وليست ترفاً يمكن تقنينه بهذا الشكل.
في الختام، تبقى الكرة في ملعب الجهات المختصة، وعلى رأسها مجلس النواب والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، لاتخاذ خطوات عملية تجاه تلك المطالب المشروعة، في وقت تتزايد فيه الأصوات الشعبية المطالبة بتغيير حقيقي يعيد التوازن بين السعر والجودة، ويضع حدًا لما يعتبره المواطنون واحداً من أبرز وجوه الاستغلال اليومي الذي يمس حياة ملايين الأسر المصرية.