سد النهضة.. مأزق التشغيل يربك إثيوبيا ومصر تراقب بلا قلق

في ظل جمود المسار التفاوضي وغياب اتفاق قانوني ملزم، لا يزال سد النهضة يشكل بؤرة توتر إقليمي بين مصر وإثيوبيا والسودان.
وبينما تواصل أديس أبابا رسائلها السياسية حول السد، يقرأ خبراء مصريون الواقع الفني باعتباره أزمة داخلية إثيوبية تتفاقم مع اقتراب موسم الفيضان.
رسائل سياسية بلا مردود فني
اعتبر الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أن إعلان إثيوبيا افتتاح سد النهضة رسميًا في سبتمبر المقبل لا يحمل قيمة فنية حقيقية، بل يعكس استمرار اتخاذ قرارات أحادية دون توافق مع دولتي المصب.
وقال شراقي إن الوضع الفني للسد لم يتغير منذ سبتمبر الماضي، إذ بلغت البحيرة سعتها القصوى، ولم تطرأ أي زيادات في التخزين، ما يشير إلى غياب التطور في تشغيل السد.
توقف التوربينات يكشف عمق الأزمة
وأوضح أن أزمة سد النهضة اليوم لا تكمن في البناء أو التخزين، بل في فشل تشغيل التوربينات، مشيرًا إلى أن إثيوبيا كانت قد أعلنت عن تركيب 13 توربينًا، لكن ما تم تركيبه رسميًا لا يتجاوز أربعة، مع اثنين آخرين غير مؤكدين.
وأكد أن جميع التوربينات لا تعمل بكفاءة، مستشهدًا باستمرار امتلاء البحيرة منذ تسعة أشهر، دون أي استغلال فعلي للمياه في توليد الكهرباء أو دعم الزراعة.
مخاطر مائية مرتقبة
ومع اقتراب موسم الأمطار، توقع شراقي أن تضيف السيول القادمة ما بين 40 و50 مليار متر مكعب من المياه، في وقت لا تستطيع فيه البحيرة استيعاب كميات إضافية.
وأضاف أن إثيوبيا ستضطر إلى فتح بوابات السد لتمرير المياه تفاديًا لأي ضغط قد يؤثر على سلامة بنية السد، محذرًا من أن هذه الخطوة ستتم دون استفادة حقيقية، بعد إخفاقات متتالية في تفعيل التوربينات.
اطمئنان مصري
على الجانب المصري، أكد شراقي أن القاهرة ليست في دائرة الخطر هذا العام، مؤكدًا أن حصة مصر من مياه النيل ستصل كاملة، في ظل توقف التخزين الإثيوبي وتحول السد إلى حالة من التفريغ الطبيعي خلال موسم الفيضان.
وأوضح أن السنوات السابقة شهدت تخزينًا كثيفًا للمياه من جانب إثيوبيا، أما العام الجاري، فإن امتلاء البحيرة يمنع أي تخزين إضافي، ما يؤدي إلى تمرير المياه تلقائيًا نحو السودان ثم مصر.
الخطاب الإثيوبي للاستهلاك الداخلي
وفي السياق السياسي، رأى شراقي أن إعلان افتتاح السد في هذا التوقيت ليس سوى محاولة إثيوبية لتوجيه رسائل تطمينية إلى الداخل، في ظل تساؤلات متزايدة حول غياب العوائد الموعودة من المشروع، سواء في مجال الكهرباء أو التنمية الزراعية.
وأشار إلى أن أديس أبابا تحاول استثمار الإعلان إعلاميًا لإرضاء الشارع الإثيوبي، رغم الإخفاقات المتكررة في الجانب التشغيلي، وعدم تحقيق الأهداف التي تم الترويج لها منذ بدء المشروع في عام 2011.