بعد إعلان "خطة مدبولي".. العلاج في مستشفيات الحكومة للأغنياء فقط

لم يكن إعلان الحكومة المصرية، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، عن فتح الباب أمام استثمارات كبرى في قطاع الصحة مجرد خبر اقتصادي، بل مثّل لحظة فاصلة أعادت طرح سؤال جوهري يهم ملايين المصريين: "هل نحن أمام بداية نهاية زمن العلاج المجاني في مصر؟"
خطة مدبولي الصحية
فالخطة الحكومية التي تم استعراضها خلال الاجتماع الأخير مع وزيري الصحة والاستثمار تكشف بوضوح عن اتجاه متزايد لمنح القطاع الخاص دورًا أكبر في إدارة وتشغيل المستشفيات والمنشآت الصحية، بما في ذلك تشغيل مستشفيات حديثة وتطوير القائم منها، فضلًا عن التوسع في الرعاية الصحية الرقمية والخدمات المنزلية.
وفي ظل هذه التحولات العميقة، تتصاعد مخاوف المواطنين من أن يتحول الحق الدستوري في العلاج المجاني إلى خدمة مشروطة بالقدرة المالية، خاصة مع الحديث عن طرح هذه الفرص الاستثمارية مترافقة مع "الرخصة الذهبية" لجذب المستثمرين.
اجتماع وزاري وخطة لعقد كامل
ناقش الاجتماع الذي عقده رئيس مجلس الوزراء، مع عدد من الوزراء والمسؤولين، الخطة الاستثمارية لقطاع الصحة خلال العشر سنوات المقبلة، وسط تركيز لافت على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص في مجالات متعددة، أبرزها: إنشاء المستشفيات، تشغيل وإدارة المنشآت الصحية، توطين صناعة الأجهزة الطبية والأدوية، والسياحة العلاجية، بالإضافة إلى التحول الرقمي الكامل للرعاية الصحية.
استثمارات تاريخية في القطاع الصحي
أكدت الحكومة، من خلال تصريحات رئيس الوزراء ووزير الصحة، أن ما يجري هو "استثمار استراتيجي في مستقبل الدولة"، مشيرين إلى أن القطاع الصحي يمثل إحدى أولويات جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية خلال العقد القادم، ضمن استراتيجية الدولة لزيادة تنافسية الاقتصاد المصري.
وتضمنت الخطة لأول مرة أكثر من 75 فرصة استثمارية، تتوزع على مجالات مختلفة، منها: تطوير وتشغيل المستشفيات، إدارة الأصول الطبية، خدمات الرعاية الصحية الرقمية، التحول الذكي، وتوطين صناعة الأجهزة الطبية وأجهزة الأشعة، وصولًا إلى مشروعات الرعاية الصحية المنزلية، بقيمة سوقية تصل إلى 27 مليار جنيه سنويًا، ما يوفر خدمات طبية متقدمة للمواطنين.
التأمين الصحي الشامل.. وعد لا يتعارض مع الاستثمار
شدد وزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار على أن دخول القطاع الخاص لن يكون بديلاً عن التزام الدولة بتقديم خدمات التأمين الصحي الشامل، الذي يُطبق تدريجيًا في المحافظات.
وأكد أن الهدف هو رفع كفاءة الخدمات وتوفير خيارات متعددة أمام المواطنين، وليس رفع تكلفة العلاج أو حرمانهم من الخدمات المجانية.
وأشار إلى أن الحكومة ستتيح فرص شراكة مع القطاع الخاص في بناء وتشغيل المستشفيات، مع تقديم حوافز مثل الرخص الذهبية وتيسير الإجراءات، دون المساس بمنظومة التأمين الصحي أو الخدمات المقدمة للفئات الأكثر احتياجًا.
منصة رقمية ومستشفيات ذكية
من اللافت أن خطة الاستثمار تتضمن أيضًا مشروع التحول الرقمي الكامل للرعاية الصحية، بالشراكة مع القطاع الخاص، عبر نظام موحد لإدارة المستشفيات يعتمد على الذكاء الاصطناعي، لضمان خدمة أسرع وأدق.
كما تشمل الخطة إطلاق تطبيق "سلامتك" للرعاية الصحية المنزلية، لتقليل الضغط على المستشفيات وتقديم خدمات منزلية، خاصة لكبار السن.
هل يتراجع العلاج المجاني؟
رغم الانفتاح الكبير على القطاع الخاص، أكدت الحكومة أن مشروع التأمين الصحي الشامل سيظل العمود الفقري للنظام الصحي، ولن يتم التخلي عنه لصالح القطاع الخاص، بل ستُسهم الاستثمارات الجديدة في رفع كفاءة المنظومة الصحية ككل.
مخاوف تآكل مساحة العلاج المجاني
مع ذلك، يحذر العديد من الخبراء من أن التوسع الاستثماري قد يُحدث فجوة بين من يستطيع تحمُّل تكلفة العلاج في المستشفيات الخاصة، ومن يعجز عن ذلك من محدودي ومتوسطي الدخل، ما قد يُهدد أحد مبادئ العدالة الاجتماعية التي كفلتها الدولة لعقود، والمتمثلة في إتاحة العلاج المجاني لكل مصري.
ويؤكد الخبراء أن دخول المستثمرين بقوة قد يؤدي إلى تحسين التجهيزات والخدمات وتوفير تقنيات طبية حديثة، لكنهم يخشون من أن يتحول هذا إلى باب خلفي لرفع تكلفة العلاج حتى في المنشآت العامة، سواء عبر الرسوم المباشرة أو من خلال تقليص الدعم والخدمات المجانية.
تطرح هذه التحولات العديد من التساؤلات عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أبرزها: هل ستظل مستشفيات الدولة مفتوحة أمام جميع الفئات بنفس السعة والجودة؟، وهل وضعت الحكومة ضمانات واضحة لعدم تأثر حق المواطن في العلاج المجاني بهذه السياسات؟
حتى الآن، لا توجد إجابات قاطعة، بينما يتابع المصريون تفاصيل الخطة بترقب وقلق، خشية أن يكون هذا التطوير بداية "نهاية زمن العلاج المجاني" كما يخشى البعض، أو انطلاقة جديدة أكثر كفاءة وتوازنًا كما تأمل الحكومة.