موسكو تطرح "خارطة استسلام".. وأوكرانيا أمام خيارين أحلاهما مرّ

في مشهد يعيد إلى الأذهان لحظات الحرب الباردة، ولكن بنكهة القرن الحادي والعشرين، وضعت روسيا أوكرانيا أمام مفترق طرق صارخ، يحمل في طياته نذر التسوية، وربما تهديدًا مموهًا بعودة أوسع للعمليات العسكرية، وذلك ضمن وثيقة روسية مسرّبة كشفت عنها وكالات الأنباء الروسية عقب جولة محادثات جديدة عُقدت في إسطنبول يوم الإثنين، للمرة الأولى منذ عام 2022، في محاولة لإحياء المسار الدبلوماسي.
الأرض مقابل التهدئة
أبرز ما تضمنته الورقة الروسية هو شرط يبدو غير قابل للتفاوض من وجهة نظر كييف: انسحاب كامل للقوات الأوكرانية من مناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون، وهي الأراضي التي أعلنت موسكو ضمّها رسميًا إلى الاتحاد الروسي في عام 2022، رغم عدم سيطرتها الكاملة عليها ميدانيًا.
وتربط الوثيقة تنفيذ هذا الانسحاب بتطبيق وقف إطلاق نار مؤقت لمدة ثلاثين يومًا، في خطوة وصفتها موسكو بأنها "إشارة لحسن النية"، بينما تراها كييف بمثابة تجميد للوضع الميداني لصالح روسيا، يعزز مكاسبها ويهيئ الأرضية القانونية والسياسية للاعتراف الدولي بحدود جديدة فُرضت بالقوة.
أوكرانيا "محايدة منزوعة السلاح"
الخيار الثاني الذي حمله الروس بدا أكثر شمولًا، وإن لم يكن أقل جدلية، فقد تضمنت الوثيقة الروسية سلسلة شروط تهدف إلى تغيير جذري في بنية الدولة الأوكرانية ونظامها السياسي والعسكري، والتي نصّت على:
حظر إعادة انتشار القوات المسلحة الأوكرانية، وإنهاء التعبئة، وبدء تسريح الجنود.
منع أي نشاط عسكري لدول أجنبية داخل الأراضي الأوكرانية، في إشارة مباشرة إلى حلف "الناتو".
وقف كل أشكال الدعم العسكري الغربي، والذي اعتبرته روسيا سببًا رئيسيًا في إطالة أمد الحرب.
رفع الأحكام العرفية وإجراء انتخابات خلال 100 يوم، بما يوحي برغبة موسكو في تغيير القيادة الحالية بوسائل ناعمة.
تبادل العفو السياسي، وإطلاق سراح المعتقلين المدنيين.
مطالب سيادية وتعديلات جوهرية في هوية الدولة
لم تقف الوثيقة عند حدود المطالب العسكرية، بل ذهبت أبعد من ذلك في صياغة ما يشبه "خارطة أوكرانيا الجديدة وفق الرؤية الروسية"، متضمنة بنودًا أبرزها:
اعتراف قانوني دولي بضم القرم ودونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون إلى روسيا.
التنازل المتبادل عن أي مطالبات بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن العمليات العسكرية.
التزام أوكرانيا بالحياد الدائم، وعدم الانضمام لأي تحالفات عسكرية.
إنشاء أوكرانيا خالية من الأسلحة النووية، وتحديد حجم الجيش الأوكراني.
حماية حقوق المتحدثين بالروسية، ورفع القيود عن أنشطة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، مع حظر أي تمجيد للنازية.
تبادل جثامين وأسرى
ورغم ثقل الملف السياسي، خرج الطرفان باتفاق إنساني لاقى إشادة دولية حذرة: تبادل جثامين ستة آلاف جندي من الجانبين، كما أعلن وزير الدفاع الأوكراني رستم أوميروف عن اتفاق مبدئي لتبادل الأسرى، يشمل المصابين وصغار السن من الجنود.
وأشار أوميروف إلى أن كييف ستراجع الوثيقة الروسية، واقترح عقد جولة جديدة من المحادثات قبل نهاية يونيو الجاري، ما يفتح الباب نظريًا أمام نافذة دبلوماسية قد تكون الأخيرة قبل دخول الصراع مرحلة أكثر شراسة.