من وراء فيديو "الابتزاز"؟.. 100 ألف دولار تغيّر ملامح الحضور الإعلامي لـ أبو هشيمة

بين مشهدين يفصل بينهما سنوات من التحديات، يظهر رجل الأعمال وعضو مجلس الشيوخ أحمد أبو هشيمة، أولًا كضحية لابتزاز إلكتروني خطير استُهدف عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، ثم لاحقًا كصاحب واحدة من أهم الدراسات البرلمانية حول تقنين الذكاء الاصطناعي ومخاطره على سوق العمل والمجتمع.
المال مقابل الصمت
تقف قضية أحمد أبو هشيمة كنموذج معقد لكيف يمكن لمقطع فيديو يتعدى الدقائق أن يهز هالة رجل أعمال صنع اسمه في مجالات الحديد والإعلام والسياسة، السؤال لم يعد فقط عن من وراء الفيديو؟ بل: لماذا دفع أبو هشيمة 100 ألف دولار؟ وكيف شكّل هذا الحدث ملامح جديدة لحضوره الإعلامي والعام؟
في مايو 2025، أسدلت محكمة جنايات الجيزة الستار على واحدة من أكثر القضايا غموضًا في السنوات الأخيرة، حيث أصدرت حكمًا بحبس "سمسار عقارات" وآخرين ثلاث سنوات بتهمة ابتزاز وتهديد رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة بمقاطع فيديو مركّبة ذات طبيعة جنسية.
تشير حيثيات الحكم إلى أن فصول القصة بدأت عام 2016، عندما فقدت شقيقة أبو هشيمة هاتفها، ليبدأ سيل من الرسائل المجهولة يتدفق على هاتفه، محمّلاً بتهديدات وطلبات مالية، المتهمون، وبعضهم من خارج البلاد، طلبوا في البداية مبالغ صغيرة، حتى وصل الأمر إلى طلب مليون جنيه مصري.
ووفقًا للتحقيقات، دفع أبو هشيمة نحو 100 ألف دولار عبر تحويلات "ويسترن يونيون" ونظام البيتكوين، على أمل إخماد انتشار الفيديو، لكن الصمت كان مؤقتًا، الابتزاز تجدد، والمجني عليه اضطر إلى الإبلاغ عن المتهمين الذين سقطوا لاحقًا في قبضة الأمن.
حتى لحظة هذه الواقعة، حافظ أحمد أبو هشيمة على صورة رجل الأعمال الحازم، صانع الصفقات، وصاحب الطموح السياسي الذي يسير بثبات في دهاليز البرلمان، لكن فيديو مركّب، وإن كان مفبركًا، تمكن من زعزعة تلك الصورة، ولو للحظات.
فالتهديد لم يكن فقط في محتوى الفيديو، بل في الرمزية، وهو أن يتمكن أي طرف بأدوات تكنولوجية بسيطة من اقتحام خصوصية أحد أكثر الشخصيات نفوذًا في الساحة الاقتصادية والسياسية، وابتزازه بنجاح.
دفع أبو هشيمة للمبلغ الضخم لم يكن لحماية نفسه فقط، بل لحماية شبكته الاستثمارية، سمعته العامة، وربما تحركاته السياسية المستقبلية، فالرجل الذي يقدم دراسات عن الذكاء الاصطناعي في مجلس الشيوخ، يدرك أن "سمعة البيانات" قد تكون أقوى من البيانات نفسها.
من وراء الفيديو؟
تظل الإجابة على السؤال الأول"من وراء الفيديو؟" ناقصة، حيث أن الأحكام صدرت بحق منفذي الجريمة، لكن المحرّضين الحقيقيين؟ الجهة التي حصلت على مقاطع الفيديو من الهاتف المفقود؟ كل هذه الأسئلة بلا أجوبة حتى الآن.
في كواليس الإعلام، تتردد همسات عن حسابات تصفية، خصوم اقتصاديين، وربما حتى أذرع إعلامية كانت في يوم من الأيام حليفة لأبو هشيمة قبل أن تصبح عدوة، لكن الأكيد أن القضية فتحت الباب واسعًا لمناقشة قضايا الأمن الرقمي لرجال المال والسياسة، ومدى سهولة استغلال الثغرات الشخصية لتحقيق أهداف كبرى.
استراتيجية إعادة التموضع؟
منذ الواقعة، لاحظ البعض تغيرا في لغة ظهور أحمد أبو هشيمة، الخطاب أصبح أكثر تحفظًا، ظهوره الإعلامي محسوبًا، والملفات التي يتحدث عنها أصبحت أكثر "جماعية" وأقل "شخصنة"، حتى مشاريعه الاقتصادية اتجهت نحو التصنيع الزراعي بدلاً من القطاعات التقليدية المرتبطة بالواجهات الإعلامية.
هل هذه مجرد صدفة؟
ربما كانت الـ100 ألف دولار ثمنًا مؤلمًا، لكن في المقابل، يمكن اعتبارها رسوم عبور إلى مرحلة جديدة من الوعي الذاتي والسياسي، تدرك فيها الشخصيات العامة أن "الهالة" قد تنهار بضغطة زر، أو بمكالمة واتساب مجهولة المصدر.