رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
معتز سليمان

مصر بلا ديون.. كيف تعمل مصر على تخفيف الديون وتحويل المحنة إلى منحة؟

مصر تسعى بقوة لتقليص
مصر تسعى بقوة لتقليص الديون الخارجية والداخلية

تواجه مصر تحديات اقتصادية كبيرة، إلا أنها تسعى جاهدة لتقليص الديون الخارجية والداخلية من خلال تنفيذ إصلاحات اقتصادية واستراتيجيات مالية فعّالة. 

تهدف هذه الجهود الحكومية المكثفة إلى تعزيز الاستقرار المالي وتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي.​

إصلاحات اقتصادية واستراتيجيات فعّالة​

تبنت الحكومة المصرية سياسات مالية ونقدية تهدف إلى تحقيق الانضباط المالي والاستدامة المالية.

وشملت هذه السياسات تبني سعر صرف مرن، مما ساهم في القضاء على السوق الموازية للنقد الأجنبي، وعودة السيولة النقدية الأجنبية إلى القطاع المصرفي، كما تم تنفيذ إصلاحات هيكلية لتعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي وتحسين إدارة الدين العام.

سداد الديون الخارجية: إنجازات ملموسة

في عام 2024، نجحت مصر في سداد 38.7 مليار دولار من ديونها الخارجية، مما يعكس التزامها القوي بإدارة ديونها بشكل فعّال. 

توزعت هذه المدفوعات بين الحكومة والبنك المركزي والبنوك التجارية والقطاعات الأخرى.  

استراتيجية متكاملة لإدارة الدين العام

تعمل الحكومة المصرية على تنفيذ استراتيجية شاملة لإدارة الدين العام، تشمل:​

  • تحقيق فائض أولي: تستهدف الحكومة تحقيق فائض أولي بنسبة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي في الموازنة الجديدة لعام 2024/2025.
  • خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي: تهدف الحكومة إلى تقليص نسبة الدين العام إلى 88.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مع خطة للوصول إلى 80% بحلول يونيو 2027.
  • تنويع مصادر التمويل: تشمل الاستراتيجية طرح أدوات مالية جديدة مثل الصكوك والسندات الخضراء، وتحويل بعض الديون إلى استثمارات، وتقليل الاعتماد على التمويلات قصيرة الأجل.
فئة 1 دولار أمريكي
فئة 1 دولار أمريكي

تحسين الإيرادات وترشيد النفقات

تسعى الحكومة إلى زيادة الإيرادات من خلال تحسين تحصيل الضرائب وتوسيع القاعدة الضريبية، مع تبسيط وتحديث نظام الضرائب. 

تستهدف الحكومة نمو الإيرادات الضريبية بنحو 30.5% لتصل إلى أكثر من 2 تريليون جنيه، مما يعكس جهود الميكنة وتوسيع القاعدة الضريبية، والتوسع في تحصيل الضرائب المستحقة على التجارة الإلكترونية والشركات متعددة الجنسيات.​

كما تعمل الحكومة على ترشيد النفقات العامة، بما في ذلك تقليل الدعم وتقليص النفقات غير الضرورية. 

دعم الشركاء الدوليين

تحظى مصر بدعم من شركاء دوليين مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث حصلت على تمويلات ميسرة لدعم الاقتصاد الكلي وسد عجز الموازنة. 

كما تم تمديد ودائع عربية قصيرة ومتوسطة الأجل بقيمة إجمالية تبلغ 21 مليار دولار، مما يساهم في تخفيف العبء على الاقتصاد المصري.

الاستثمار في القطاعات الإنتاجية

تركز الحكومة على تعزيز الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والتصدير، من خلال تقديم تسهيلات ضريبية وتحفيز الأنشطة الصناعية، بهدف زيادة معدلات الإنتاجية وتوطين الصناعة في مصر. 

الاستثمارات الأجنبية: دعم الاقتصاد الوطني

تعمل الحكومة على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة لدعم الاقتصاد الوطني.

تسعى إلى توفير برامج دعم موازنة من خلال التفاوض مع شركاء التنمية، مثل الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، بما يتسق مع خطة الإصلاح الهيكلي التي تتبناها الحكومة المصرية

الآفاق المستقبلية

تهدف مصر إلى خفض الدين العام إلى 75% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، مع إطالة آجال الديون الخارجية وخفض خدمة الدين إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يقلل من الحاجة إلى التمويل السريع.

كما تسعى إلى زيادة عوائد النقد الأجنبي من خلال رفع معدل نمو قيمة الصادرات المصرية بما لا يقل عن 20% سنويًا. 

من خلال هذه الجهود المتكاملة، تسير مصر نحو تحقيق استقرار مالي واقتصادي، مما يعزز من قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة.​

روية مصرية في مواجهة تصاعد أعباء الديون

وفي الأثناء، أكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن تزايد أعباء الديون بات أحد أبرز التحديات التي تواجه الدول النامية، لافتة إلى أن جزءًا كبيرًا من الموارد المالية يُستهلك في سداد الفوائد، مما يحد من قدرة هذه الدول على توجيه الاستثمارات نحو مشروعات تنموية مستدامة.

جاء ذلك خلال حوار وزاري رفيع المستوى حول خفض تكاليف التمويل وتعزيز حلول الديون الموجهة نحو التنمية، ضمن فعاليات منتدى تمويل التنمية التابع للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة (ECOSOC)، والذي عُقد في نيويورك تمهيدًا للمؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية المقرر عقده في يونيو المقبل بمدينة إشبيلية الإسبانية.

وأضافت المشاط أن معالجة هذه الأزمة تستلزم إجراءات إصلاحية جذرية، تتضمن تطوير أسواق المال المحلية، وتعزيز حشد الموارد الوطنية، وزيادة استثمارات القطاع الخاص، إلى جانب الاستخدام المبتكر للأدوات المالية مثل مبادلات الديون، التي أثبتت فعاليتها كآلية لتخفيف الأعباء وتحسين التصنيف الائتماني.

الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي
الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي

الشفافية في برامج الإصلاح 

شدّدت الوزيرة على أن تكلفة التمويل مرتبطة بشكل مباشر بمدى وضوح وشفافية الحكومات بشأن برامجها الإصلاحية، مشيرة إلى أن الغموض في هذا الجانب يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، لذلك، فإن إرسال رسائل واضحة بشأن الإصلاحات الاقتصادية وهيكلة المشروعات يُعد أمرًا محوريًا، لاسيما في ظل البيئة العالمية المتقلبة.

وأكدت أن إشراك القطاع الخاص في تلك البرامج، وإتاحة المعلومات بشفافية، من شأنه تعزيز المصداقية والثقة لدى الشركاء والممولين الدوليين، وبالتالي تقليل كلفة التمويل على الدولة.

القطاع الخاص شريك رئيسي في سد فجوة التمويل

وأوضحت المشاط أن حجم التمويل المطلوب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والعمل المناخي يفوق قدرات الحكومات وحدها، ما يجعل مشاركة القطاع الخاص أمرًا لا غنى عنه، إلا أن هذه المشاركة لن تتحقق إلا إذا أُتيحت بيئة استثمارية تنافسية وشفافة، توضح الرؤية الاقتصادية وتشجع على تدفق رؤوس الأموال.

وأشارت إلى أن مصر قطعت شوطًا في هذا الاتجاه، عبر إطلاق مشروعات استراتيجية ومحفزات واضحة، كان من أبرزها تدشين برنامج نُوفّي الذي أصبح منصة وطنية نموذجية لجذب استثمارات التنمية الخضراء والمناخية، بشراكة فاعلة مع القطاع الخاص.

تحديات التمويل الميسر والحاجة إلى أدوات بديلة

تطرقت الوزيرة إلى التحديات التي فرضتها التطورات الاقتصادية العالمية، وأثرها على تقليص الحيز المالي المتاح للدول النامية، خاصة فيما يتعلق بالتمويلات التنموية الميسرة. ورغم توفر أدوات مختلطة ومنح، فإن عدم جاهزية العديد من المشروعات يحول دون الاستفادة الفعلية من تلك الموارد.

وهنا، بحسب المشاط، تبرز أهمية التعاون الدولي وتبادل الخبرات، بما يساعد على صياغة مشروعات قابلة للتمويل وتكرار التجارب الناجحة.

مبادلات الديون: أداة مبتكرة لتعزيز التنمية

وأكدت المشاط أن مصر وسعت خلال السنوات الماضية شراكاتها مع المجتمع الدولي، لا سيما في مجال مبادلة الديون مع الشركاء الثنائيين، حيث يتم توجيه مقابل تلك الديون إلى تمويل مشروعات ذات أولوية تنموية. 

وأشارت إلى أن هذه الآلية لاقت مؤخرًا قبولًا أوسع عالميًا، مع تحوّل الأسواق نحو مزيد من المرونة في التعامل مع أدوات إعادة هيكلة الديون.

المضي قدمًا في الإصلاحات الهيكلية

ولفتت الوزيرة إلى أن الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية، بشفافية وجدية، لم يعد خيارًا بل ضرورة، خاصة في ضوء التحولات المتسارعة في النظام المالي العالمي. 

كما أكدت أن المؤسسات المالية الدولية والبنوك التنموية متعددة الأطراف تبقى شريكًا لا غنى عنه في حشد التمويلات الميسّرة، بشرط وضوح الخطط التنموية وجاهزية المشروعات.

وشدّدت على أن المرحلة المقبلة تتطلب تكثيف الجهود المحلية والدولية، ليس فقط لسد الفجوة التمويلية، بل لضمان توجيه تلك التمويلات نحو تحقيق تنمية عادلة ومستدامة وشاملة، تعزز صمود الاقتصادات النامية أمام الأزمات.

البنك المركزي المصري
البنك المركزي المصري

مصر بلا ديون.. حلم قريب المنال

تسير مصر بخطى ثابتة نحو تقليل ديونها الخارجية والداخلية من خلال استراتيجية شاملة تشمل تحسين السياسات الاقتصادية، وزيادة الإيرادات، وتقليل النفقات، وجذب الاستثمارات الأجنبية. 

وتعزز هذه الجهود من الاستقرار المالي والاقتصادي، وتضع مصر على الطريق الصحيح لتحقيق حلم "مصر بلا ديون".​

تم نسخ الرابط