رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
معتز سليمان

هل يتحول برلمان 2025 إلى نادي للمثقفين فقط؟

خاص| جدل تحت القبة.. هل يقتصر برلمان 2026 على حملة المؤهلات العليا؟

مقر مجلس النواب بالعاصمة
مقر مجلس النواب بالعاصمة الإدارية الجديدة

شهدت الساحة السياسية اليوم جدلًا واسعًا عقب إعلان النائبة مي أسامة رشدي، عضو مجلس النواب، عن عزمها التقدم بتعديل تشريعي يقتصر الترشح لعضوية البرلمان على حاملي المؤهلات العليا فقط، بدلاً من شرط الحصول على شهادة إتمام التعليم الأساسي المعمول به حاليًا. 

وقد أثار هذا المقترح نقاشًا سياسيًا وقانونيًا واسعًا حول مستقبل التمثيل النيابي ومبدأ تكافؤ الفرص.

مقترح يتماشى مع متطلبات الجمهورية الجديدة

وأكدت النائبة مي أسامة رشدي أنها بصدد تقديم تعديل تشريعي جديد يهدف إلى قصر الترشح لعضوية مجلس النواب على أصحاب المؤهلات العليا فقط، مشددة على أن فلسفة المقترح تنسجم مع متطلبات الجمهورية الجديدة التي أعلن عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي. 

وأضافت أن مصر تمر بمرحلة مفصلية في تاريخها الحديث تتطلب تفكيرًا عصريًا، ونوابًا على وعي ودراية بحجم التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الدولة.

<strong>النائبة مي أسامة رشدي، عضو مجلس النواب</strong>
النائبة مي أسامة رشدي، عضو مجلس النواب

وتابعت في حديثها: «اشترط الدستور المؤهل العالي لمن يترشح لرئاسة الجمهورية أو عضوية مجلس الشيوخ، فمن الطبيعي والمنطقي أن يُشترط أيضًا في من يترشح لمجلس النواب، الذي يمارس التشريع والرقابة، وهي مهام جسيمة تحتاج إلى نواب مؤهلين علميًا».

وأوضحت أن التشريعات الحالية المنظمة للعمل البرلماني تعود إلى فترات تاريخية راعت الظروف المجتمعية والتعليمية آنذاك، مثلما كان الحال في خمسينيات القرن الماضي، حين لم يكن التعليم متاحًا للجميع.

واستكملت: «نحن الآن في عصر يزخر بحاملي الشهادات الجامعية والدكتوراه، ولدينا الآلاف من خريجي الجامعات الدولية، فهل من المنطقي أن يبقى الشرط الأدنى للترشح هو مجرد الشهادة الإعدادية؟»، مشددة على أن البرلمان القادم يجب أن يُفرز نوابًا بمستوى عصري يليق بجمهورية جديدة تنطلق نحو المستقبل بثقة.

وأضافت أن كثيرًا من برلمانات العالم تشترط مؤهلات علمية، وهو أمر معمول به دوليًا ويعزز كفاءة الأداء البرلماني.

 

أستاذ قانون دستوري: تقييد الترشح بالمؤهل العالي تقنينٌ للتمييز

من جانبه، قال الدكتور رأفت فودة، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة، إن مقترح قصر الترشح لعضوية مجلس النواب على الحاصلين على مؤهلات عليا فقط يُعد تراجعًا خطيرًا عن المبادئ الدستورية التي أرست مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق السياسية، معتبرًا أن مثل هذا الطرح "يُشرعن التمييز ويُقنّن الإقصاء".

<strong>الدكتور رأفت فودة، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة</strong>
الدكتور رأفت فودة، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة

وأوضح فودة في حديثه لـ«تفصيلة» أن الشهادة التعليمية لا ينبغي أن تكون أبدًا المعيار الوحيد لقياس الوعي أو الكفاءة السياسية، قائلاً: «هناك من لم تُتح لهم فرصة استكمال تعليمهم الجامعي، لكنهم يملكون من الفهم المجتمعي والخبرة الحياتية ما يجعلهم أكثر التصاقًا بالناس، وأكثر قدرة على التعبير عنهم. هؤلاء لا ينبغي أن يُقال لهم ببساطة: آسف، أنت غير مؤهل لتمثل شعبك».

وأضاف: «مش كل وعي مكتوب في شهادة، ومش كل حكمة خرجت من مدرج جامعي. فيه ناس فاهمة الدنيا أكتر من أساتذة، وبتحس بالناس أكتر من مسؤولين كبار؛ البرلمان مش كتيبة صفوة، ده لازم يكون مرآة حقيقية للمجتمع كله».

وأشار إلى أن المادة 102 من الدستور المصري لا تشترط سوى شهادة التعليم الأساسي كحد أدنى للترشح، مضيفًا: «أي تعديل لهذا الشرط دون تعديل دستوري يُعد خروجًا على نص دستوري صريح، وحتى لو تم تعديل الدستور، فإننا نكون قد رسّخنا رسميًا لتمييز اجتماعي مرفوض، نخسر به روح الديمقراطية الحقيقية».

 

كيف نعاقب إنسانًا لم يُكمل تعليمه بسبب الفقر؟

وشدد فودة على أن الحقوق السياسية لا تُمنح وفقًا للمؤهل الدراسي، قائلاً: «كيف نعاقب إنسانًا لم يُكمل تعليمه بسبب الفقر أو الظروف، ونقول له: أنت لا تصلح؟! ما ذنبه؟ هل نُقصي المواطن الفقير فقط لأنه لم يتمكن من دخول الجامعة؟! هذا ظلم بيّن، ومجرد التفكير في تقنينه أمر صادم».

<strong>مجلس النواب </strong>
مجلس النواب 

وأردف: «ما يحدث هو محاولة لإنتاج نخبة برلمانية على مقاس معين، وربما بعزل فئات واسعة من الشعب؛ هل نريد برلمانًا نخبويًا مغلقًا؟ أم نريد برلمانًا شعبيًا يعكس واقع الناس؟ الجمهور مش كله خريج جامعات، لكن كله مواطنون، وكل مواطن له حق الترشح مثلما له حق التصويت».

ووجه رسالة لمؤيدي مقترح قصر البرلمان على حاملي الشهادات العليا: «إن كنا حقًا نسعى لجمهورية جديدة، فلتكن جمهورية تحتضن كل فئات الشعب، لا تُقصي أحدًا بسبب الورق؛ لا ترفعوا الأسوار باسم التطوير، ولا تجعلوا من الشهادة جدارًا يفصل المواطن عن دولته. اتركوا الباب مفتوحًا، فربما يأتينا نائبٌ من الحارة، يُعلّم القبة كيف تكون قريبة من الناس».

عصام شيحة: "قصر الترشح على حملة المؤهلات العليا لا يناسب المجتمع المصري الآن"

من جانبه، قال عصام شيحة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن المقترح المتداول بشأن قصر الترشح لعضوية البرلمان على الحاصلين على مؤهلات عليا فقط، يتعارض بشكل واضح مع المبادئ الدستورية، مشددًا على أن هذا التوجه لا يُراعي الطبيعة الاجتماعية والتعليمية للمجتمع المصري.

<strong>عصام شيحة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان</strong>
عصام شيحة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان

وأوضح شيحة في حديثه لـ«تفصيلة» أن المجتمع المصري لا يزال يُعاني من نسب أمية وجهل مرتفعة، بالإضافة إلى وجود تركيبة اجتماعية شديدة الخصوصية تتداخل فيها العوامل القبلية والعصبيات المحلية بشكل كبير، وهو ما يجعل من أي محاولة لتغيير شكل التمثيل النيابي بشكل مفاجئ أمرًا محفوفًا بالمخاطر.

وأضاف: «النظام الانتخابي في مصر يرتكز إلى حد كبير على التوازنات المحلية والقبلية، والحفاظ على تلك التوازنات يُعد ضرورة لضمان الاستقرار الاجتماعي والسياسي؛ ولا يمكن أن نفرض فجأة قاعدة تستبعد قطاعًا واسعًا من المصريين لمجرد أنهم لم يحصلوا على شهادة جامعية، دون أن نُمهّد لذلك بشكل تدريجي ومدروس».

ضرورة الإصلاح الشامل: رؤية مدروسة لمرحلة انتقالية تدريجية

وأشار إلى أن أغلب شعوب العالم تتوقف غالبية أبنائها عند التعليم الثانوي، ومن يُكملون إلى التعليم الجامعي أو فوق الجامعي إنما يفعلون ذلك وفقًا لظروف مادية أو اجتماعية ملائمة، وليس لأنهم أكثر كفاءة أو أكثر وطنية، قائلاً: «أستطيع أن أؤكد أن هذا القرار لا يتناسب مع المجتمع المصري في الوقت الحالي، وإن كنا نطمح إلى تطوير الأداء النيابي عبر تحسين الخلفيات التعليمية، فلابد أن يتم ذلك من خلال حوار وطني واسع يشمل كافة القوى السياسية والمجتمعية، وليس من خلال قرارات فجائية تُقصي فئات بأكملها».

<strong>مجلس النواب </strong>
مجلس النواب 

وتابع: «لو قررنا المضي في هذا الاتجاه، فيجب أن يكون ذلك ضمن رؤية شاملة للإصلاح السياسي، وأن يُطرح هذا الأمر في سياق مرحلة انتقالية زمنية مدروسة لا تقل عن خمس أو عشر سنوات، نُهيّئ خلالها المجتمع عبر حملات توعية ومشاركة حقيقية، لا أن نُلقي به في صدمة تشريعية تفقده ثقته في النظام السياسي».

أرقام مثيرة: كيف يشكل هذا التعديل التركيبة البرلمانية؟

في السياق ذاته، بحثنا في بيانات برلمان 2015 التي كشفت عن تنوع كبير في الخلفيات التعليمية لأعضاء البرلمان؛ فقد ضم المجلس 28 نائبًا حاصلين على درجة الدكتوراه، و10 نواب بدرجة الماجستير، و405 نواب يحملون مؤهلات عليا، و82 نائبًا بشهادات متوسطة، و30 نائبًا يحملون شهادة إتمام التعليم الأساسي. 

لكن، لم تتوفر معلومات رسمية مماثلة بشأن مؤهلات أعضاء مجلس النواب الحالي، مما يعقّد من تقييم تأثير المقترح على التركيبة البرلمانية في ظل هذا الغموض.

<strong>مجلس النواب </strong>
مجلس النواب 

النموذج الأوروبي: لا مؤهل دراسي للترشح

في المقابل، يقدم النموذج الأوروبي تجربة مختلفة، حيث لا تشترط قوانين الانتخابات في الاتحاد الأوروبي أي مؤهل دراسي للترشح لعضوية البرلمان، ويُكتفى بالحد الأدنى للسن، الذي يختلف من دولة إلى أخرى. في فرنسا وألمانيا، على سبيل المثال، يُسمح للمرشحين بالترشح عند بلوغهم 18 عامًا، دون النظر إلى مؤهلاتهم التعليمية.

<strong>النموذج الأوروبي</strong>
النموذج الأوروبي

ويظهر هذا النموذج أن الكفاءة السياسية لا ترتبط دائمًا بالشهادات الجامعية، بل تُقاس بالقدرة على تمثيل المواطنين بفعالية ومعالجة قضاياهم اليومية. 

ويعكس هذا التوجه في البرلمان الأوروبي أهمية فتح الباب أمام كافة الفئات الاجتماعية للترشح، دون تقييدهم بشروط تعليمية قد تساهم في إقصاء العديد من المواطنين ذوي الخبرات العملية.

<strong>النموذج الأوروبي يحدد السن المطلوب للترشح لعضوية البرلمان</strong>
النموذج الأوروبي يحدد السن المطلوب للترشح لعضوية البرلمان

الحاجة إلى حوار وطني شامل

تظل مسألة قصر الترشح على حملة المؤهلات العليا محل جدل واسع بين مؤيد ومعارض. ورغم أن البعض يرى في المقترح خطوة نحو تحسين الأداء البرلماني، فإن آخرين يعتبرونه تقويضًا للعدالة الاجتماعية، ويؤثر سلبًا على التوازن السياسي والاجتماعي في مصر. 

وبالتالي، قد يكون من الضروري فتح حوار وطني شامل حول هذا الموضوع، لضمان تحقيق التوازن بين الكفاءة والعدالة في العملية السياسية.

تم نسخ الرابط