نصر نعيم يكتب: أبو ريدة لا يُفنى ولا يُستحدث من العدم
«منتخب النشامى يطيح بالفراعنة من كأس العرب».. هكذا عنونت أغلب الصحافة العربية الخروجَ المخزي للمنتخب المصري من بطولة كأس العرب في قطر، بعد سقوطه بثلاثية مع «الرأفة» أمام نظيره الأردني… لا شيء يساوي تلك اللحظة التي تجسدت فيها معاني الإهمال قبل الخسارة، والتسيّب قبل سوء الحظ، والاستهانة باسم بلدٍ له في الكرة العربية والإفريقية تاريخ البطل وسيد المنصّات وضيف التتويج الدائم، سواء على مستوى الأندية أو المنتخبات، قبل أن تنقلب الصورة ويصبح اسم مصر مستباحًا في الملاعب و«مزحة» للجماهير المنافسة، و«مسخة» في استوديوهات التحليل في كل أنحاء العالم.
من الظلم تحميل المدير الفني حلمي طولان وحده كلّ المسؤولية عما حدث في الدوحة، وتحويل المنتخب المصري إلى أضحوكة بين منتخبات لم يكتمل تاريخ بعضها ليبلغ عمر عدد بطولات مصر، لكن المسؤولية تتوزع على قيادات ومسؤولين كُثُر في المنظومة الرياضية المصرية، التي شاخت برجالها، وملت من قياداتها المتحجرة، وسئمت من تغليب الشللية وشبكات المصالح والصراع على الكراسي على حساب سمعة الكرة المصرية في العالم.
من يحاسب من؟ شرّ البلية ما يضحك حقًا.. من يحاسب من على هذا الفشل والتراجع في الكرة المصرية، بينما من يملك سلطة الحساب هو أحد أهم أسباب سقوط الهيبة المصرية في الملاعب؟ من أفسد الكرة المصرية هو نفسه من يتولى مسؤولية تطويرها! منتهى العبث ما يحدث.
هاني أبو ريدة رئيس اتحاد الكرة والمسئول الأول عنها –على سبيل المثال– لديه «خطط» لتطوير الرياضة المصرية لم يُفصح عنها طوال عشرين عامًا قضاها مسؤولًا عن المنظومة الكروية في مصر، وهو أحد أسباب الفشل باعتباره قيادة انتهت صلاحيتها منذ زمن، ولا يصلح معها إعادة التدوير. وبدلًا من الخروج وإعلان تحمله مسؤولية ما حدث والاعتذار للجماهير والتخلي عن كل المناصب التي يتمسك بها، خرج وزير الرياضة من جديد ليبشّرنا بأن أبو ريدة لديه خططًا للتطوير سيعلنها قريبًا! أي استخفاف بالعقول؟! لو كانت لديه خطط حقًا لأعلنها ونفّذها قبل الفضائح التي حدثت سابقًا في بطولات أمم إفريقيا ومباريات كأس العالم.
هناك فرق كبير بين رجل اللحظة والتصريحات وردّ الفعل، وبين رجل الإدارة والحلول والعلم والشفافية؛ فالأول يصنع الكوارث، والثاني يتجنبها. لا أدّعي أن لدي ثقافة كروية موسوعية، فحدود علاقتي بكرة القدم هي تشجيعي الفطري للأهلي، ومتابعتي الدائمة لمنتخبات مصر في المنافسات والبطولات القوية. لكن يكفي أني قضيت نصف عمري في متابعة «إنجازات» أبو ريدة، وتعجبت من عدم وجود بديل له في قيادة الكرة المصرية، وهي واحدة من أكثر اهتمامات الشعب المصري ومصادر سعادته.
كما قلنا المنظومة شاخت، والفكر تحجّر، والقيادات تسمرت في الكراسي، والأمر مرهون بحجم شبكة العلاقات وتدوير المصالح وتبادل المنفعة. فانعكست النتائج واقعًا مزريًا للكرة المصرية على كل مستوياتها: تراجع مستمر، ونزيف في سمعة الرياضة المصرية عربيًا وإفريقيًا.. فبعدما كان أي منتخب مصري في أي بطولة إفريقية مرشحًا لحمل الكأس في المباراة النهائية، صرنا أضحوكة وحَصّالة للمجموعات والفرق، ومادة للتلاسن والاحتقار والإذلال في الإعلام الآخر.. واقع فرضه رجال من عينة أبو ريدة (الذي لا يُفنى ولا يُستحدث من العدم)، إذ استمر لأكثر من عشرين عامًا في مناصبه الكروية النافذة، واستبدل قاموس الفوز والتتويج بمصطلحات «الخروج المبكر» و«الخروج المشرف» وصولًا إلى «الخروج المهين».. أين حمرة الخجل؟