باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

قطعة قماش تهزّ العالم.. الحجاب في مواجهة حضارة العُري

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في زمنٍ تُعاد فيه صياغة القيم، وتُختبر الثوابت أمام ضجيج الحداثة، يقف الحجاب الإسلامي كرمزٍ صامدٍ يثير الجدل ويستدعي التساؤل: هل هو فريضة تعبّدية أم حرية شخصية؟ هل يُمثل قيدًا على المرأة أم حمايةً لكرامتها؟
بين هذه الأسئلة المتكرّرة، تتجدد المواجهة بين تيارين متناقضين: أحدهما يراه رمزًا للهوية الإيمانية، والآخر يعتبره عقبة أمام “تحرر المرأة” وبينهما تقف المرأة المسلمة، تمارس حقها في الاختيار، وتتحمل نظراتٍ متضاربة من مجتمعٍ لم يحسم موقفه بعد من الإيمان والحرية.

الحجاب اليوم لم يعد مجرّد زيّ ديني، بل قضية فكرية وإنسانية تتقاطع فيها العقيدة مع السياسة، والإعلام مع الوعي، حتى باتت قطعة القماش رمزًا لمعركة كبرى بين الإيمان والتغريب، بين صوت الضمير وصخب الموضة.

منذ نزول قوله تعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ (النور: 31)،
أُقرّ الحجاب كأمرٍ إلهي موجّه إلى المؤمنات، هدفه الأول ليس إخفاء الجمال بل حفظ الكرامة وصيانة العرض.

كما قال الله تعالى في سورة الأحزاب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾.

هنا تتجلى فلسفة الحجاب: أن يُعرفن فلا يُؤذين أي أن يُعرفن بالعفة والوقار، لا بالإغراء والمظهر.

وقد أجمع الفقهاء  من المذاهب الأربعة  على وجوب ستر المرأة لجميع بدنها عدا الوجه والكفين، باعتباره أمرًا تعبّديًا يدخل في دائرة الطاعة لا الهوى.

ويقول الإمام القرطبي في تفسيره:
الحجاب فرضٌ على نساء الأمة كافة، وهو من عادات الأنبياء وشعار المؤمنات.

الحرية في الإسلام.. طاعة عن وعي لا تمرد على الإيمان

أوضح بعضهم اليوم بأن المرأة حرّة في أن تتحجب أو لا تتحجب، وهي عبارة صحيحة من حيث حرية الاختيار، لكنها مغلوطة من حيث الشرع، إذ لا تعني الحرية إسقاط التكليف، بل أن تختار المرأة طاعة ربها بإرادتها الواعية لا بإكراه.

يقول عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: الحجاب عبادة لا تخضع للأذواق، وهو من مظاهر حرية الإيمان لا قهر المجتمع فالمرأة التي تتحجب بإيمان تمارس أعلى درجات الحرية، لأنها اختارت أمر الله رغم الضغوط.

إن مفهوم الحرية في الإسلام ليس حرية الجسد من القيود، بل حرية الروح من أهواء الشهوة والتقليد. فالحجاب ليس سجنًا، بل تحرر من استعباد المظهر، وارتقاء بالذات نحو الطاعة.

حكاية صراع داخلي بين القناعة والخوف، بين محبة الله ومواجهة الواقع.

الحجاب في مرمى الإعلام

من أكثر ما يؤثر في قضية الحجاب هو “الإعلام” الذي يوجّه صورة المرأة في المجتمعات الحديثة.

في كثير من الأفلام والإعلانات، تُصوَّر المحجبة على أنها متشددة، أو غير مواكبة للعصر، بينما تُربط الأنوثة بالتحرر من الستر.

ويرى الدكتور محمد عبد الفضيل القوصي، عضو هيئة كبار العلماء، أن هذه الصورة المشوَّهة ليست بريئة، بل هي جزء من حرب ناعمة تستهدف الرموز الإسلامية عبر تشويهها في وعي الأجيال.

في المقابل، ظهرت موجة من المدونات والمؤثرات المحجبات اللواتي قدّمن نموذجًا مختلفًا، يجمع بين الحجاب والأناقة، والعمل والنجاح، ليثبتن أن الحجاب لا يتعارض مع الطموح، بل يمكن أن يكون جسرًا للتوازن بين الدين والدنيا.

في الغرب.. الحجاب يتحول إلى رمز مقاومة

في فرنسا وبلجيكا وكندا، حيث تُفرض قيود قانونية على الحجاب، خرجت مسلمات  بل وغير مسلمات  للتظاهر رفضًا لحظر الحجاب في المدارس وأماكن العمل.

لقد تحوّل الحجاب في المجتمعات الغربية إلى رمزٍ للمقاومة الفكرية ضد ازدواجية الخطاب الذي يدّعي الدفاع عن المرأة بينما يفرض عليها ما ترتدي وهنا يبرز التناقض بين حرية التعري المسموح بها، وحرية الستر الممنوعة.

الحجاب بين الشكل والجوهر: متى يتحول الستر إلى عبادة؟

الحجاب ليس مجرد لباس، بل التزام أخلاقي وسلوكي.
قال النبي ﷺ: الحياء شعبة من الإيمان (رواه مسلم)، فكل حجاب لا يقترن بالحياء، ولا يثمر سلوكًا مستقيمًا، يفقد جوهره.

ويقول الإمام ابن القيم في كتابه مدارج السالكين: العفاف لباس القلب قبل أن يكون غطاء الرأس، بمعنى أن الحجاب الحقيقي هو حجاب الفكر والروح، الذي يمنع القلب من الانكشاف أمام الفتنة قبل أن يمنع الجسد.

ولذلك، فإن المرأة المحجبة تُدعى إلى أن تجعل من حجابها رسالة خلق وسلوك، لا مجرد عادة اجتماعية أو زينة دينية.

لا تخلو المجتمعات من مظاهر التمييز ضد المحجبات، خصوصًا في مجالات الإعلام والوظائف الراقية كثيرات يُرفضن فقط لأنهن اخترن الالتزام.

وتشير دراسات أجرتها منظمات نسوية محايدة إلى أن المحجبات أكثر عرضة للإقصاء الوظيفي في بعض الدول العربية والغربية على حد سواء، بسبب الصورة النمطية.

تم نسخ الرابط