باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

علي جمعة: المتطرفون شوّهوا الدين.. ونموذج النبي ﷺ مدرسة في الصدق والمحبة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في رسالة فكرية جديدة تحمل بعدًا توعويًا عميقًا، حذّر الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، من خطورة الخلط بين الدين كعلم ومنهج إلهي وبين التدين كسلوك فردي، مؤكدًا أن هذا الخلط أحد أبرز مظاهر الانحراف الفكري الذي تتبناه الجماعات المتطرفة في تزييف صورة الدين واستغلاله لتحقيق مصالحها الخاصة.

وقال الدكتور جمعة، عبر منشور له على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن بعض من يصفهم بـ«نموذج الكراهية» لا يفرّقون بين العالم الحقيقي بالدين الذي يملك أدوات الفهم والاجتهاد، وبين المتدين ظاهريًا الذي يقتصر فهمه على المظاهر الشكلية دون جوهر العلم.

المظهر لا يصنع العالم.. والعلم لا يقاس باللحى والثياب

وضرب جمعة مثالًا واضحًا على هذا الانحراف في التصور، قائلًا:

"العالم الأزهري إذا كان حليقًا فهو بحسب رأي هؤلاء لا يفقه شيئًا في دينه، بينما الجاهل الذي يقصر ثيابه ويطلق لحيته يُعد عندهم الإمام القدوة الذي يسمعون له ويأخذون عنه".

وأوضح أن هذه النظرة الضيقة تجرد الدين من جوهره المعرفي والروحي، وتحصره في ممارسات سطحية لا تمت بصلة إلى الفهم الصحيح، مؤكدًا أن العقلية التي تفقد القدرة على التمييز بين العلم والجهل تصبح أسيرة الضلال والعناد، مما يجعل تصحيح فكرها أمرًا بالغ الصعوبة.
وأضاف أن هؤلاء المتطرفين يواجهون أزمة مركبة، إذ يُكفّرون غيرهم بناءً على مظاهر لا على العلم، وينصبون أنفسهم أوصياء على الدين، بينما هم أبعد الناس عن مقاصده وروحه السمحة.

نموذج النبي ﷺ.. مدرسة الصدق والنقاء

وفي المقابل، قدّم الدكتور علي جمعة نموذج المحبة الذي جسّده سيدنا محمد ﷺ في سيرته وسلوكه، موضحًا أن النبي الكريم لم يعرف الخداع أو المكر أو التفريط في المبادئ من أجل مصالح دنيوية زائلة، بل كان صادقًا في قوله وعمله، تتطابق سريرته مع علانيته في كل الأحوال.
واستشهد الدكتور جمعة بما رُوي عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها حين سألها بعض الصحابة عن سرّ رسول الله ﷺ، فقالت:

"كان سرُّه وعلانيتُه سواء".

وأوضح جمعة أن هذا النموذج النبوي الفريد يرسّخ قيم الصدق والوفاء والأمانة، ويجعل من النبي ﷺ المثل الأعلى في الالتزام بالمبادئ مهما كانت المغريات، مشيرًا إلى أن هذا الموقف الإيماني الراسخ هو الذي ميز الرسول الكريم عن كل دعاة المصلحة والمكر عبر التاريخ.

إغراءات قريش.. اختبار للنبي وثبات على المبدأ

ولإيضاح عمق هذا النموذج، أعاد الدكتور علي جمعة التذكير بالموقف العظيم الذي واجه فيه النبي ﷺ إغراءات قريش حين عرضوا عليه المال والسلطة والشرف مقابل التنازل عن دعوته، فقالوا له:

"إن كنت  تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سوّدناك علينا، وإن كنت تريد به ملكًا ملّكناك علينا".

ورغم هذه الإغراءات، ثبت النبي ﷺ على دعوته ولم يتراجع عن رسالته، رافضًا أن يبيع دينه بعرض من الدنيا، ليعلّم الأمة أن الحق لا يُشترى، وأن المبدأ لا يُساوم عليه، وأن صدق النية والإخلاص لله هما أساس الدعوة .

المتطرف.. يستخدم الدين وسيلة للمكسب والنفوذ

وفي مقارنة حادة، أوضح الدكتور علي جمعة أن "نموذج المتطرف" هو نقيض النموذج النبوي في كل شيء، فهو يرى الدين أداة لتجنيد الأتباع واستقطاب الجماهير، لا وسيلة لهداية القلوب وإصلاح المجتمعات.
وأكد أن المتطرف يوظف النصوص وفق أهوائه ومصالحه السياسية والتنظيمية، فيتحدث باسم الدين حين يخدمه، ويتنكر له حين يتعارض مع أهدافه، موضحًا أن هذا المسلك الانتهازي يتنافى مع جوهر الإسلام الذي يقوم على الصدق والإخلاص لله تعالى لا لمصالح الجماعات أو الزعامات الزائفة.
وأضاف جمعة أن المتطرفين يختزلون الدين في مظاهر شكلية، بينما يتجاهلون جوهر التقوى التي محلها القلب، وأن سلوكهم هذا يشوّه صورة الإسلام أمام العالم ويزرع الفتنة والانقسام بين المسلمين.

العقل والاعتدال.. طريق النجاة من الغلو والتطرف

وشدد الدكتور علي جمعة على ضرورة أن يتحلى المسلم بالعقل الراجح والفهم المتوازن، لأن العقل هو النور الذي يُهتدى به إلى الصواب، وهو ما افتقده المتطرفون حين غلبت عليهم الأهواء والتقليد الأعمى.
ودعا إلى العودة إلى منهج الأزهر الشريف الذي يقوم على الاعتدال، والتفكير الواعي، والحوار بالحكمة والموعظة الحسنة، مؤكدًا أن إحياء نموذج النبي ﷺ في الصدق والمحبة هو السبيل الوحيد لإنقاذ الأمة من فكر الغلو والكراهية.

بين "نموذج الكراهية" و"نموذج المحبة"

اختتم الدكتور علي جمعة حديثه بالتأكيد على أن الصراع الحقيقي في زماننا ليس بين المسلمين وغير المسلمين، وإنما هو بين أهل المحبة والاعتدال وأهل الكراهية والتطرف، وأن الحل يبدأ من تجديد الوعي الديني على منهج النبي ﷺ، الذي جمع بين الرحمة والحزم، بين الحكمة والصدق، بين العبادة والعلم.
وأكد أن الأمة بحاجة اليوم إلى إحياء النموذج النبوي في التعامل الإنساني، وإلى التمييز بين من يستخدم الدين لوجه الله ومن يتخذ منه سلّمًا للوصول إلى غايات دنيوية.

تم نسخ الرابط