الأزهر يحسم الجدل حول ختان الإناث: سنة شرعية أم عادة؟ الطب والقانون يحسمان الرأي

في مجتمعات عربية وإفريقية وآسيوية، لا يزال ختانُ الإناث أو ما يُسمَّى في بعض البيئات بـ «الطهارة» يُمارس تحت دعاوى متشابكة: الحفاظ على العِفّة، ضمان القبول الاجتماعي، أو الالتزام بما يُتصوَّر أنّه «سُنّة» لكنّ هذه الممارسة التي خلَّفت ملايين الضحايا، تُثير اليوم أسئلة ملحّة: ماذا يقول الشرع الصحيح؟ كيف يُقيِّمها الطب الحديث؟ ما هو الموقف القانوني؟ وكيف صاغ الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية كلمتهما النهائية بشأنها؟
يستعرض موقع "تفصيلة" في هذا التقرير جذور الظاهرة، ويُفكّك حجج المؤيِّدين، ويعرض الأدلّة الشرعية المعتبرة، ويُضيء على الموقف الطبي القاطع، كما يتتبّع تطوّر الموقف المؤسسي للأزهر ودار الإفتاء، والإطار القانوني في مصر، وصولًا إلى توصيات عملية تُسهم في حماية البنات، وتضع حدًّا لإحدى أكثر الممارسات إيذاءً للجسد والنفس والمجتمع.
أوّلًا: ختان الإناث في تعريف منظمة الصحة العالمية… ضرر بلا فائدة
تُعرّف منظمة الصحة العالمية ختان الإناث بأنه «كل إجراء يتضمّن إزالة جزئية أو كلية للأعضاء التناسلية الخارجية للأنثى أو إحداث أذى بها لأسباب غير طبية» وتقسّمه إلى أربعة أنماط رئيسية، وتؤكّد أنه لا يحمل أي منفعة صحية، بل يقترن بمخاطر جسيمة: نزيف، التهابات، صعوبة التبوّل والطمث، مشكلات الولادة، آلام مزمنة واضطرابات نفسية.
وتُظهر بيانات اليونيسف (2023–2024) أنّ أكثر من 230 مليون امرأة وفتاة حول العالم خضعن لهذه الممارسة، بزيادة 30 مليونًا عن عام 2016، مع تراجع نسبي في بعض الدول لكن بوتيرة بطيئة لا تكفي لتحقيق هدف الأمم المتحدة بإنهائها عام 2030.
ثانيًا: بين السُّنّة والعادة… تفكيك الدعاوى الدينية
1) مقاصد الشريعة وقواعد رفع الضرر
أصل الشريعة يقوم على حفظ النفس والعِرض قال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾. ومن القواعد الفقهية الكلية: «لا ضرر ولا ضرار»، و«الضرر يزال». فإذا شهد الطبّ بالضرر، حُرِّمت الممارسة شرعًا.
2) الحديث المنسوب «أشِمّي ولا تُنهِكي»
يستند بعض المؤيّدين إلى حديث يُروى عن أم عطية، غير أن علماء الحديث بيّنوا اضطراب أسانيده وضعفها وقد أكّدت دراسات معاصرة أنّه لا ينهض بحُجّية، فلا يُبنى عليه حكم تعبّدي.
3) الفتوى المؤسسية: عادة لا عبادة
أعلنت دار الإفتاء المصرية في نوفمبر 2021 أنّ ختان الإناث «لا موجب له شرعًا» وأنه «عادة تغيّر حكمها بعد ثبوت ضررها». وأكّد الأزهر الشريف أنّ الاستناد إلى أحاديث ضعيفة لا يُنشئ حكمًا شرعيًا، وأن المساس بجسد المرأة جريمة شرعية، ليُسقط بذلك أي دعوى بارتباطه بالعبادة.
ثالثًا: الموقف الطبي… «لا فوائد وأضرار جسيمة»
المؤسسات الطبية العالمية والوطنية تُجمع على أنّ ختان الإناث يفتقر لأي فائدة صحية، وأن تطبيبه لا يقلّل من مخاطره. تبقى احتمالات النزيف، العدوى، العجز الجنسي والنفسي، والمضاعفات الولادية قائمة، وهو ما يتطابق مع القاعدة الشرعية: «الضرر يزال».
رابعًا: الإطار القانوني المصري… تغليظ العقوبات
منذ عام 2008 أدرج المشرع المصري ختان الإناث في قانون العقوبات، قبل أن يُشدّد العقوبات في 2016، ثمّ يُغلِّظها أكثر عام 2021. وتنص المادتان (242 مكرّر) و(242 مكرّر أ) على السجن خمس سنوات على الأقل لمن يُجري الختان، وتصل إلى السجن المشدّد لعشر سنوات إذا أفضى الفعل إلى وفاة الضحية كما جُرِّم الطلب والتحريض والدعاية للفعل، مع عقوبات مضاعفة للطبيب أو الممارس الصحي.
هذه الخطوات جاءت بعد ضغوط مجتمعية وتقارير حقوقية ودولية، لتُؤكّد أنّ الختان جريمة لا عُرفًا ولا طبًا ولا شرعًا.
خامسًا: البعد الاجتماعي الثقافى
شرف العائلة وضغط الجماعة: تُربط «طهارة» الفتاة بقبولها للزواج والخوف من الوصمة الاجتماعية.
أسطورة الضبط الجنسي: يظن البعض أنّ الختان يحدّ من الشهوة، بينما يثبت الطب أنّه يُسبّب اضطرابات نفس جنسية، ويؤكّد الشرع أنّ العفّة تُبنى بالتربية والإيمان لا بتشويه الجسد.
التطبيب كغطاء: يلجأ بعض الأهالي للأطباء ظنًّا بالتقليل من الخطر، لكن القانون شدّد العقوبات على الممارسين الصحيين تحديدًا، لتأكيد أنّ الجريمة لا تتغيّر بتغيير مكانها.
سادسًا: موقف الأزهر ودار الإفتاء
الأزهر الشريف: اعتبر الاعتداء على الجسد جريمة شرعية، وأكّد أنّ الأحاديث الضعيفة لا تصلح لبناء حكم.
دار الإفتاء المصرية: نصّت فتواها (2021) على أنّ ختان الإناث لا موجب له شرعًا، وأنه «عادة لا عبادة»، محرَّم شرعًا ومجرَّم قانونًا.
بهذا توحّد الخطاب الديني الرسمي في مصر، ليغلق باب الجدل.
سابعًا: الشرع والطب في مسار واحد
حين يلتقي اليقين الطبي (ضرر بلا فائدة) مع القاعدة الشرعية (رفع الضرر وحفظ النفس والعِرض)، يكون الحكم محسومًا: المنع والتحريم ومن هنا تتكامل الأدوار: الأزهر والإفتاء لتصحيح المفاهيم، الطب للتوعية، والقانون للردع.
طريق عملي للقضاء على الظاهرة
1. خطاب ديني موحَّد: إدماج الفتاوى الرسمية في خطب المساجد والمناهج التعليمية.
2. عدالة ناجزة: تطبيق صارم لمواد قانون العقوبات وتتبع دعايات التحريض.
3. شراكات صحية وتعليمية: حملات توعية مجتمعية بقيادة وزارتي الصحة والتعليم.
4. بدائل اجتماعية: اقتراح احتفالات رمزية «خالية من الضرر» بدلًا من الممارسة.
5. رصد وإبلاغ: تفعيل خطوط ساخنة لحماية الطفولة وتشجيع التبليغ مع حماية المُبلّغين.
كلمة الشرع والطب والقانون واحدة
أثبت الطب أنّ ختان الإناث ضررٌ محض لا فائدة فيه وأكّد الشرع عبر الأزهر ودار الإفتاء أنّه ليس عبادة بل عادة ضارّة محرّمة. وجاء القانون المصري ليشدّد العقوبات بحق كل من يمارس أو يحرّض أو يطلب هذا الفعل.
إنها لحظة التقاء نادرة: دينٌ يحمي الجسد، طبٌّ يحذّر من الأذى، وقانونٌ يردع الجريمة ويبقى التحدي الأكبر في وعي المجتمع، وتوحّد الأسرة والمدرسة والإعلام حول رسالة واحدة.