رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

العملات الرقمية والزكاة.. بين اجتهادات الفقهاء وتجارب المتعاملين

البيتكوين
البيتكوين

منذ أن ظهرت العملات الرقمية المشفرة مثل "البيتكوين" و"الإيثيريوم"، والجدل لم ينقطع حول مشروعيتها وحكم التعامل بها ومع تزايد أعداد المتعاملين بهذه الأصول الافتراضية حول العالم، بات السؤال الأبرز عند المسلمين: هل تجب فيها الزكاة كما تجب في الذهب والفضة والنقود التقليدية؟
القضية لم تعد حكرًا على الفقهاء فحسب، بل دخلت أروقة البنوك المركزية والهيئات الاقتصادية، وأثارت نقاشًا واسعًا بين المستثمرين والمتبرعين، الذين يبحثون عن التوفيق بين مقتضيات الشريعة ومقتضيات العصر الرقمي.

الفقه الإسلامي أمام واقع جديد

الزكاة باعتبارها الركن الثالث من أركان الإسلام، فُرضت على الأموال التي تنمو وتدرّ أرباحًا، مثل الذهب والفضة والزروع والأنعام والنقود السؤال الذي يواجه العلماء اليوم: هل العملات الرقمية تدخل في هذا الإطار؟

هيئات شرعية عدة ناقشت المسألة، وأبرز ما قيل:

الرأي الأول  الإلحاق بالنقود: يرى بعض الفقهاء أن العملات الرقمية تعامل معاملة النقود الورقية، لأنها أصبحت وسيلة للتبادل وحفظ القيمة، وبالتالي تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول بنسبة 2.5%.

الرأي الثاني  الإلحاق بعروض التجارة: آخرون يرون أنها أقرب إلى "السلع" وليست نقودًا حقيقية، وبالتالي زكاتها واجبة باعتبارها عروض تجارة، حيث تُقوَّم عند تمام الحول وتخرج الزكاة من قيمتها.

الرأي الثالث  التوقف والحذر: بعض العلماء ما زالوا متوقفين في الحكم، معتبرين أن غموض طبيعة العملات الرقمية، وتقلب أسعارها الكبير، يجعل إصدار حكم قطعي أمرًا يحتاج إلى مزيد من الدراسة والضبط.

دار الإفتاء المصرية أوضحت في أكثر من فتوى أن الزكاة لا تسقط عن أي مال يحقق شروطها، وأنه "إذا كانت العملات الرقمية تملك خصائص المال وتحقق النماء، وجبت فيها الزكاة"، وإن ظلت تحفظًا قائمًا على مشروعية التداول ذاته.

الجانب الاقتصادي.. أموال بلا حدود

العملات الرقمية اليوم لم تعد مجرد تجربة تقنية، بل أصبحت صناعة ضخمة تتجاوز قيمتها السوقية تريليونات الدولارات في العالم الإسلامي، برزت طبقة جديدة من المستثمرين الذين حققوا أرباحًا كبيرة، ما جعل مسألة الزكاة في هذه الأموال قضية ملحة، ليس فقط دينيًا بل اقتصاديًا واجتماعيًا أيضًا.

خبراء الاقتصاد الإسلامي يرون أن تجاهل إخراج الزكاة من هذه الأصول قد يؤدي إلى حرمان الفقراء والمحتاجين من نصيب مشروع لهم في أموال حديثة العهد، وهو ما يتنافى مع مقاصد الشريعة التي تحرص على تحقيق العدالة الاجتماعية عبر فريضة الزكاه

مواقف الفقهاء.. اجتهادات بين التأييد والتحفظ

المؤيدون: يذهب فريق من العلماء المعاصرين إلى وجوب الزكاة في العملات الرقمية، انطلاقًا من قاعدة "كل مال نامٍ تجب فيه الزكاة" ويرون أن ضخامة الأموال المتداولة تجعل تجاهلها إخلالًا بمقاصد الشرع.

المتحفظون: في المقابل، يرى فريق آخر أن العملات الرقمية غير مستقرة، وقد تكون عرضة للتلاعب والاحتيال، مما يضع علامات استفهام على اعتبارها "مالًا" شرعًا هؤلاء يوصون بالتريث إلى أن تستقر الرؤية الاقتصادية والفقهية حولها.

الرأي الوسطي: بعض المجامع الفقهية تذهب إلى أن الحكم يتغير بتغير حال التعامل؛ فإذا استخدمت العملات الرقمية كوسيلة دفع معترف بها، عوملت كنقود، أما إذا كانت للتجارة والمضاربة، فهي عروض تجارة.

التجارب الواقعية.. بين المكسب والعبء الشرعي

من أبرز الإشكاليات التي تواجه المتعاملين:

1. التقلب السعري الحاد: العملات الرقمية قد ترتفع أو تنهار في ساعات، ما يجعل حساب النصاب صعبًا.

2. تعدد المحافظ والمنصات: كثير من المستثمرين يتوزع رصيدهم على أكثر من منصة، مما يتطلب دقة في الحصر.


3. غياب التشريعات الواضحة: بعض الدول لا تعترف بالعملات الرقمية، ما يجعل إخراج الزكاة فيها مرتبطًا فقط بضمير الفرد والتزامه الديني.


البعد الروحي: الزكاة ضمانة للتزكية

رغم الطابع المادي للجدل، يبقى للزكاة بعدها الروحي، فهي ليست مجرد ضريبة على المال بل تطهير للنفس والرزق علماء التزكية يشيرون إلى أن المسلم الذي يخرج زكاة أمواله الرقمية إنما يثبت أن المال، مهما كان حديثًا أو متطورًا، يظل أمانة بيده ووسيلة للتقرب إلى الله.

وهنا يظهر معنى قول الله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها"، فالمعيار هو المال ذاته لا شكله، ما دام يحقق معنى الملكية والنماء.
بين الشريعة والاقتصاد الرقمي

قضية الزكاة على العملات الرقمية تكشف عن التحديات التي يفرضها العصر الرقمي على الفقه الإسلامي العلماء اجتهدوا فأكدوا أن الأصل هو بقاء فريضة الزكاة كضمانة للعدالة الاجتماعية، بينما اختلفوا في توصيف هذه الأصول الرقمية. أما المتعاملون، فقد وجدوا أنفسهم أمام واجب ديني يحاولون الوفاء به رغم تعقيدات السوق.

تم نسخ الرابط