الأزهر يجدد النقاش حول حق الزوجة في مال الزوج البخيل

في قلب الكثير من البيوت العربية والإسلامية، تبرز قضية شائكة تتعلق بعلاقة الزوج بزوجته: ماذا لو امتنع الزوج عن الإنفاق على أسرته؟ وهل يحق للزوجة في هذه الحالة أن تأخذ من ماله خفية لتلبية احتياجاتها واحتياجات أبنائها؟
هذا السؤال المتكرر الذي يشغل أذهان العديد من النساء، أجاب عنه علماء الأزهر الشريف مستندين إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ومؤكدين أن الشريعة الإسلامية وضعت ضوابط دقيقة تحفظ للمرأة حقها وتصون للأسرة كرامتها.
القاعدة الشرعية: النفقة حق أصيل للزوجة
يؤكد الدكتور يسري جبر، أحد علماء الأزهر الشريف، أن النفقة واجب شرعي على الزوج تجاه زوجته وأبنائه، وهي ليست منة أو تفضلاً منه، بل التزام أوجبه الشرع ويستدل في ذلك بقول الله تعالى:
﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233].
فالآية الكريمة جعلت النفقة واجبًا مؤكدًا، قيدته بكلمة "بالمعروف"، أي بما يتناسب مع العرف السائد وحاجة الأسرة.
حديث هند بنت عتبة: دليل نبوي قاطع
استشهد الدكتور جبر بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم، حين جاءت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان إلى رسول الله ﷺ تشكو بخل زوجها، فقالت: "يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، فهل عليّ جناح أن آخذ من ماله بغير إذنه؟"، فأجابها النبي ﷺ: "خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف".
ويُعد هذا الحديث أصلًا فقهيًا في جواز أخذ الزوجة من مال زوجها في حال بُخل عليها أو منعها حقها في النفقة، لكن بشرط أن يكون ذلك في حدود الحاجة، لا في الإسراف أو الادخار المفرط.
يوضح الدكتور جبر أن كلمة "بالمعروف" تمثل القيد الأساسي الذي يمنع من أي تجاوز، فهي تعني الإنفاق بالقدر الذي يقره العرف وتستوجبه الحاجة، دون ظلم أو إسراف.
ويضيف: "الشريعة لم تحدد النفقات بأرقام جامدة، بل تركتها لاجتهاد العرف الذي يختلف باختلاف الأزمنة، وتطور الأسعار، وتغير ظروف الأبناء والمراحل العمرية".
من جانبه، أشار إلى أن الإمام الشافعي قرر قاعدة فقهية عظيمة في هذا الباب: "العادة محكّمة" أي أن ما لم يأت الشرع بتحديده يُرجع فيه إلى العرف وهو ما أكده الفقهاء بقولهم: "المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا".
وبالتالي، فإن مقدار النفقة يختلف من أسرة إلى أخرى، ومن مجتمع إلى آخر، بحسب مستوى المعيشة وظروف الحياة.
خلاف فقهي حول استرداد الحقوق خفية
ولفت جبر إلى أن المسألة تطرقت إلى خلاف بين الفقهاء: هل يجوز لمن له حق عند غيره أن يأخذ حقه خفية دون إذن أو حكم قضائي؟
بعض العلماء أجازوا ذلك بالمعروف، استنادًا إلى حديث هند بنت عتبة.
بينما رأى آخرون ضرورة عرض الأمر على القاضي أو الاحتكام إلى المجتمع؛ منعًا من استغلال الرخصة والتوسع فيها بغير حق.
أكد العالم الأزهري أن مقاصد الشرع في هذه المسألة واضحة: حماية الزوجة والأبناء من الحرمان، وفي الوقت نفسه حماية مال الزوج من العبث أو التجاوز. ومن ثم فإن إباحة أخذ الزوجة من مال زوجها لا تعني الإطلاق، وإنما هي رخصة بضوابط، محكومة بالعدل والاعتدال.
وقال: "الشرع شدد على الأمانة، فلا يجوز للمرأة أن تستغل هذا الحكم لتأخذ ما يزيد على حاجتها، أو تدخر من مال زوجها ما لا ضرورة له، فذلك تعدٍ وخيانة للأمانة".
حكمة الشريعة بين الحق والواجب
يبقى أن الشريعة الإسلامية، بمرونتها وشموليتها، وضعت إطارًا متوازنًا يحفظ للمرأة حقها في النفقة، ويقي الأسرة من التفكك، ويمنع في الوقت ذاته من الاعتداء على حقوق الآخرين فجواز أخذ الزوجة من مال زوجها البخيل ليس دعوة للفوضى المالية داخل البيوت، بل هو حكم استثنائي منضبط بالعرف والعدل، يحقق مقصود الشرع في رعاية الأسرة وصون كرامتها.