تمرد الضباط.. حرب غزة تفقد مشروعيتها داخل إسرائيل

فيما تواصل إسرائيل عمليتها العسكرية في قطاع غزة، تتسع رقعة التمرد داخل صفوف جيش الاحتلال، ليس فقط بين الجنود العاديين بل أيضًا في أوساط كبار الضباط، وسط تصاعد الانتقادات الداخلية للحرب التي تجاوزت تسعة أشهر، والتي يرى فيها كثيرون أنها باتت تخدم مصالح سياسية أكثر من كونها عملية عسكرية ذات أهداف واضحة.
يوم مروّع
رون فاينر، الضابط في لواء ناحال 933، لم يكن يتخيل أن تتحول تجربته العسكرية إلى شهادة على الانهيار الأخلاقي للحرب.
الشاب البالغ من العمر 26 عامًا نجا بأعجوبة من الموت بعد أن اخترقت رصاصة خوذته، في عملية عسكرية في جنوب لبنان.
غير أن اللحظة الفاصلة كانت عندما أُرسل إلى غزة، حيث رأى زملاءه يسقطون، فيما يستمر الجيش في استهداف مناطق مأهولة بالسكان، في حرب أسفرت عن استشهاد أكثر من 59 ألف فلسطيني.
فاينر، الذي كان يحمل حلم الطفولة بأن يصبح ضابط مشاة مثل والده، قرر رفض الخدمة الاحتياطية، مؤكدًا: "عندما استؤنف قصف غزة، أدركت أن الحكومة لا تريد إنهاء هذه الحرب. قررت أنني لن أكون جزءًا منها".
حكم عليه بالسجن 25 يومًا، لكنه أصبح رمزًا لتمرد يتسع بين شباب الاحتياط الذين باتوا يتجاهلون الاستدعاءات أو يبررون غيابهم بأعذار صحية وعائلية.
ما يجري ليس حالة فردية، فاينر يؤكد أن صور الأطفال الجائعين والمجازر المتكررة في غزة تُحدث تحولًا في الوعي داخل إسرائيل: "إذا رأوا تلك الصور مع عائلاتهم، سيختارون الانسحاب".
في المقابل، تواجه إسرائيل ضغوطًا متزايدة بسبب المجاعة، ما دفعها لإعلان "هدنة تكتيكية" في بعض مناطق غزة لتسهيل دخول المساعدات، بالتزامن مع موقف أوروبي ضاغط، حيث أعلنت فرنسا نيتها الاعتراف بفلسطين، فيما شدد رئيس الوزراء البريطاني ستارمر على أن تدفق المساعدات "ليس كافيًا".
جنرالات ضد نتنياهو
صحيفة "التليجراف" البريطانية نقلت عن جنرالات إسرائيليين حاليين وسابقين انتقادات غير مسبوقة للحرب. الجنرال عساف أوريون، الرئيس السابق للتخطيط الاستراتيجي، قال إن "الأهداف الاستراتيجية اختُطفت بدوافع سياسية"، واصفًا إطالة أمد الحرب بأنها "قرار متعمد لأغراض حزبية".
عيران عتسيون، نائب رئيس مجلس الأمن القومي سابقًا، ذهب أبعد من ذلك: "معظم الإسرائيليين باتوا يدركون أن استمرار الحرب يخدم مصالح نتنياهو السياسية والقضائية. هو لا يريد إنهاء الحرب، بل يريدها ورقة إنقاذ لحكومته".
خلافات داخلية: الرهائن في مهب السياسة
الانقسام لا يتوقف عند الجنرالات السابقين. داخل مجلس الأمن الإسرائيلي نفسه تتسرب شكوك متزايدة.
الفريق أيال زامير، رئيس أركان الجيش المتقاعد، يرى أن استمرار العمليات لن يحقق مكاسب إضافية، بل يعرض حياة نحو 20 رهينة للخطر.
وبينما تشتتت كتائب حماس إلى وحدات صغيرة تقاتل وسط الأنقاض، تستمر المقاومة في إيقاع الخسائر، في وقت يُصر فيه نتنياهو على التصعيد لتحقيق صفقة الرهائن، رغم تعثر مفاوضات الدوحة الأخيرة.
معسكرات اعتقال ومشاريع تهجير قسري
في تطور مثير للجدل، رفض زامير خطة وزير الدفاع إسرائيل كاتس لإنشاء "مدينة إنسانية" جنوب رفح، واصفًا إياها بأنها تُعيد إلى الأذهان "معسكرات الاعتقال"، فيما حذر إيهود أولمرت من كونها تمهيدًا لتهجير قسري.
وقدّر جيش الاحتلال الإسرائيلي أن تنفيذ هذه الخطة سيكلف نحو 4 مليارات دولار ويستغرق عامًا كاملًا، بينما يضغط نتنياهو لتنفيذ نسخة أرخص وأسرع، رغم اعتراضات المؤسسة العسكرية.
المساعدات الإنسانية
رغم الدعم الأميركي، تتهم الأمم المتحدة الجيش الإسرائيلي بقتل أكثر من 1000 مدني قرب مراكز توزيع المساعدات، وسط حالة من الفوضى والتشويش العسكري. وكشفت الصحيفة أن زامير أجبر وزيرًا يمينيًا على مشاهدة فيديو يوثق إطلاق نار على مدنيين جوعى، في مشهد يعكس عمق الانقسام بين العسكريين والساسة.
انهيار التجنيد
سيطر جيش الاحتلال على نحو 75% من القطاع ضمن عملية "عربة جدعون"، لكن تكاليف الحرب تتزايد. نسبة الاستجابة للاستدعاء لا تتجاوز 60%، والكثير من الجنود يحتالون للفرار مما يُعرف بـ"الرفض الرمادي".
أما الرافضون علنًا، فهم يُعاقبون بالسجن والفصل، لكن عددهم في تصاعد، مع رسائل مفتوحة تهاجم نتنياهو وتنتقد أهداف الحرب.
ويواجه الجيش أزمة متفاقمة في تجنيد الحريديم، حيث يتوقع مراقبون تراجع نتنياهو عن فرض التجنيد الإجباري على اليهود المتشددين، تجنبًا لانفجار سياسي داخلي.
فاينر وجه جديد للتمرد الأخلاقي
فاينر، الذي أُخلي سبيله خلال هجوم إيراني صاروخي الشهر الماضي، بات يرمز إلى جيل جديد من الجنود الذين فقدوا الثقة في قيادتهم.
ويختم بقوله: "الصور والفيديوهات من غزة ستغير قرارات الكثيرين. عندما يشاهدونها مع أبنائهم، سيعرفون أنهم لا يستطيعون الاستمرار في هذه الحرب".