غزة العقدة الأصعب.. طموحات ترامب الإقليمية تصطدم بأهداف نتنياهو الميدانية

كشفت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن الأسبوع الماضي، حجم التناقض بين أهداف إسرائيل الميدانية ومصالح الولايات المتحدة الإقليمية.
وبينما يسعى الطرفان لمواصلة الضغط على إيران، يبقى ملف غزة العقدة الأصعب، حيث تتقاطع حسابات نتنياهو الداخلية مع طموحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المنطقة، في وقت يدفع فيه المدنيون في غزة الثمن الأكبر.
وشهدت زيارة نتنياهو إلى واشنطن الأسبوع الماضي مباحثات مكثفة مع ترامب، ركزت على ملفين محوريين: البرنامج النووي الإيراني والحرب الدائرة في قطاع غزة.
ورغم ما بدا من تناغم استراتيجي بين الجانبين، خصوصًا في الملف الإيراني، فإن نتائج الزيارة بدت باهتة على صعيد تقدم المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار في غزة، وسط تعقيدات داخلية وضغوط إقليمية ودولية.
البرنامج النووي الإيراني
أكدت الولايات المتحدة وإسرائيل التزامهما المشترك بعرقلة تقدم البرنامج النووي الإيراني.
وشددت واشنطن على ضرورة عودة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران، ووقف تخصيب اليورانيوم، مع التلويح باستخدام آلية العودة السريعة للعقوبات بحلول خريف 2025، بل وفتح الباب أمام خيارات عسكرية محتملة في حال رصد خطوات إيرانية لإعادة تفعيل أنشطة نووية متقدمة.
وقال الباحث في الشوؤن الدولية محمد خيري إن نجاح هذه الاستراتيجية تعتمد على زيادة الضغط الأمريكي على طهران، وهو ما قد يتطلب من إدارة ترامب اتخاذ خطوات أكثر صرامة في المفاوضات.
لكن المعضلة تكمن في أن إيران الخارجة من حرب قصيرة مع إسرائيل في يونيو الماضي، لا تبدو في وارد تقديم تنازلات دون مقابل، ما يُعقّد أي اختراق دبلوماسي مرتقب، ويُبقي الملف النووي في دائرة التجاذب التصعيدي، وفق خيري.
يرى المراقبون أن هذا التنسيق يعكس مصلحة مشتركة في ردع إيران، لكنه يواجه تحديات بسبب التعقيدات الجيوسياسية ورفض إيران التنازل عن خياراتها المستقبلية لتطوير برنامجها النووي.
مفاوضات غزة
في المقابل، ظل ملف غزة حبيس التعقيدات السياسية والميدانية، إذ تُواصل إدارة ترامب، عبر مبعوثها للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الدفع باتجاه هدنة إنسانية تستمر 60 يومًا، تُمهّد لمفاوضات أوسع تشمل إطلاق سراح نحو 50 أسيرًا إسرائيليًا تحتجزهم حماس.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي وضع سقفًا تفاوضيًا مرتفعًا، مطالبًا بضمانات للقضاء التام على حماس، والإبقاء على الوجود العسكري الإسرائيلي في ممر موراج الواصل بين رفح وخان يونس – وهي نقطة خلاف مركزية رفضتها حماس، التي تعتبرها محاولة لإضفاء شرعية على تقسيم القطاع.
مخاوف من التهجير القسري
فاقمت المواقف المتشددة لبعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية، مثل وزير الدفاع يسرائيل كاتس، الذي اقترح إنشاء مدينة إنسانية تضم 600 ألف فلسطيني قرب الحدود مع مصر، المخاوف الدولية من محاولات تهجير جماعي أو ترحيل قسري.
كما أثارت مواقف وزير المالية بتسلئيل سموتريتش التي ألمحت إلى خيار التهجير الطوعي انتقادات حادة، واعتُبرت بمثابة تهديد مباشر للقانون الدولي الإنساني، مما صعّب مهمة الوسطاء الدوليين.
ترامب بين طموحات التطبيع وضغوط استمرار الحرب
يسعى ترامب إلى تحقيق اختراق إقليمي، من خلال إعادة إحياء مسار اتفاقيات أبراهام وتوسيعها لتشمل السعودية، إلى جانب الترويج لاتفاقات عدم اعتداء مع لبنان وسوريا.
غير أن استمرار التصعيد في غزة يُعطّل هذه الطموحات، في ظل رفض عربي واضح للانخراط في ترتيبات ما بعد الحرب دون قيادة فلسطينية موحدة، وإجراءات جادة نحو حل الدولتين، وفق الباحث في الشوؤن الدولية سلمان إسماعيل.
وقد بدا لافتًا صمت ترامب بعد اجتماعه الثاني بنتنياهو، حيث لم يصدر أي بيان مشترك أو مؤتمر صحفي، ما فُسّر على أنه علامة على نفاد الصبر، وربما تمهيد لممارسة ضغوط علنية لاحقة إذا استمر الجمود.
خلافات داخلية تهدد مستقبل التهدئة
أشار إسماعيل، إلى أن قدرة إسرائيل على التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار مرهونة بتغليب نتنياهو لأولويات التهدئة على حساب التوازنات داخل ائتلافه الحاكم، الذي يضم تيارات دينية وقومية رافضة لأي شكل من أشكال التنازل أمام حماس.
وبحسب إسماعيل، فإن الوسطاء (مصر وقطر والولايات المتحدة) لا يزالون يواجهون ثلاثة عوائق رئيسية: مدة الهدنة، انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب غزة، ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
ورغم وجود فرص حقيقية للتوصل إلى اتفاق مبدئي، فإن استمرار الضبابية السياسية في إسرائيل، وتعنّت بعض الوزراء، ورفض حماس للمقترحات الأمنية الإسرائيلية، كلها تُبقي غزة على شفا تصعيد جديد، وفق إسماعيل.
وفي الوقت ذاته، يُدرك ترامب أن أي انفراجة في غزة قد تُعيد ترتيب المشهد الإقليمي لصالحه، لكنها تحتاج إلى تنازلات إسرائيلية فعلية، وليس فقط الضغط على الوسطاء.
وأمس الأحد، أعرب ترامب عن أمله أن تُفضي المحادثات الرامية إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس إلى نتائج ملموسة خلال الأسبوع الجاري.
جاء ذلك خلال لقاء ترامب مع الصحفيين لدى وصوله إلى ماريلاند بعد مشاهدة نهائي كأس العالم للأندية في نيوجيرسي.
وعلى مدار الأسابيع الماضية، كرر ترامب تحديد جداول زمنية للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، من دون تحقيق تقدم ملموس.
وتواصل إسرائيل حرب الإبادة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة منذ أكثر من 21 شهرا بموازاة مفاوضات غير مباشرة تستضيفها قطر حاليًا بين تل أبيب وحماس.
وخلفت الإبادة الإسرائيلية في غزة أكثر من 196 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.