هل ماتت الإخوان؟.. قصة التنظيم الذي يسقط في العلن ويصعد في الخفاء
خاص.. هل ماتت الإخوان؟.. أوراق الجماعة السرية بين يدي أوروبا والخليج

رغم الضربات المتتالية التي تلقتها جماعة "الإخوان المسلمين" في معاقلها التقليدية، وقرارات الحظر والملاحقات الأمنية والقانونية في عديد من الدول، ويبدو أن سؤال "هل ماتت الإخوان؟" لا يزال مفتوحًا بلا إجابة حاسمة، فالحركة التي نشأت في مصر قبل نحو قرن، تتصرف كجسم بلاستيكي مقاوم للكسر، كلما تلقت ضربة قاسية في موطن، أعادت تشكيل نفسها في موطن آخر.
ألمانيا.. دولة المقر الجديد

تقارير هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الألمانية) كشفت عن تشكّل شبكة "إخوانية" معقدة داخل ألمانيا، لا تعلن صراحة انتماءها، لكنها تمارس تأثيرا ناعما وخفيا في أوساط الجاليات المسلمة، مستغلة الحرية الدينية وحقوق المجتمع المدني.
الذراع الأهم لهذه الشبكة، وفق المصادر الرسمية الألمانية، هي "منظمة الجالية المسلمة الألمانية"، وهي كيان ينشط تحت مظلة العمل الاجتماعي والخيري، لكن تقارير المخابرات تؤكد أنها الواجهة الأحدث لتنظيم الإخوان في أوروبا، حيث أن الهدف المعلن هو تمثيل المسلمين أمام السلطات، بينما الهدف المستتر هو التغلغل في المجتمعات، وصياغة جيل جديد على أفكار الجماعة، وبناء "قواعد خلفية" قد تُستخدم لاحقا كأدوات ضغط سياسي.

النشاط لم يعد مقصورًا على المراكز الإسلامية الكبرى كميونيخ وبرلين، بل هناك 50 مركزًا ومسجدًا يدورون في فلك المنظمة، ما يعني التأثير على عشرات الآلاف من المسلمين هناك.
لعبة الخداع الطويل
"الخداع الاستراتيجي"؛ هكذا تصف تقارير الأمن الألماني تكتيك الإخوان، فعلى السطح، خطابات منمقة وشعارات عن التسامح والتعايش واحترام القانون، وفي العمق، تواصل مع قيادات التنظيم الدولي في الشرق الأوسط، وتجهيز أطر فكرية وبنية اجتماعية تنتظر لحظة التحرك، حتى الأنشطة الشبابية والدورات التعليمية، وفق التقارير، لا تخلو من بث رسائل أيديولوجية، تكرس للانتماء للجماعة، لا للمجتمع الألماني.

وتضيف التقارير أن الجماعة تستخدم أدواتها الحالية للضغط السياسي المشروع في ألمانيا، مثل المشاركة في الانتخابات المحلية أو العمل في المجالس الاستشارية، مستفيدة من هامش الحريات الواسع، لتكريس حضور طويل الأمد قد يقود، مستقبلاً، إلى ما هو أبعد من ذلك.
مواجهة خطر الإخوان في فرنسا
أما على المستوى الفرنسي فإن الباحث السياسي الفرنسي المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، إيمانويل رزافي يرى أن التحدي مع تنظيمات مثل الإخوان لا يكمن في المواجهة العنيفة، بل في تبني استراتيجية طويلة الأمد تسعى إلى إعادة صياغة العلاقة بين الدين والدولة في المجتمع الفرنسي، من داخل المؤسسات ذاتها.
وفي حديث مع إحدى المنصات الإعلامية، اعتبر أن هذا النوع من الاختراق الهادئ"، كما وصفه تقرير مجلس الدفاع، والذي يندرج ضمن ما نسميه الإسلام السياسي القانوني، أي استخدام الأدوات القانونية لبناء نفوذ أيديولوجي متماسك داخل الأحياء، المدارس، وحتى الإدارات، مؤكدا أن فرنسا بحاجة إلى "مقاربة مزدوجة"، تجمع بين الصرامة القانونية في تفكيك البُنى المشتبه بها، وتعزيز البدائل الفكرية والاجتماعية داخل الأحياء التي تعاني من التهميش، والتي غالبا ما تكون أرضا خصبة لاختراقات هذه التنظيمات.

عقيدة أمنية جديدة
في حين يرى مراقبون فرنسيون أن الطريقة التي ستُدار بها هذه الأزمة ستحدد ما إذا كانت فرنسا تتجه نحو "عقيدة أمنية جديدة" في التعامل مع الإسلام السياسي، خصوصا في ظل تزايد المخاوف من التأثير الهادئ والممنهج لبعض الجمعيات التي تحظى بشرعية قانونية، لكنها تتبنى خطابًا لا يتماشى مع قيم الجمهورية.
وبين النقاشات الحكومية والضغوط السياسية، يبدو أن فرنسا تتجه نحو بلورة استراتيجية شاملة، ربما تشكل نواة لما يعتبره البعض "عقيدة أمنية جديدة" في التعامل مع الإسلام السياسي، تقوم على الحزم المؤسسي مع احترام الإطار الديمقراطي والقانوني.
الخليج.. جذر قديم لا يزال ينبض
لم يكن هذا التمدد الأوروبي وليد لحظة، بل ثمرة لعقود من العمل المتواصل، بعد الصدام العنيف مع نظام جمال عبد الناصر في الستينيات، هرب كبار قادة الجماعة إلى الخليج، حيث وجدوا بيئة خصبة لنشر الدعوة تحت ستار العمل الخيري والتعليمي.
في الإمارات، بدأت القصة مع عبد البديع صقر ويوسف القرضاوي، بدعم من قطر، حيث أسسا أول خلية إخوانية رسمية تحت مسمى "جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي"، وسط بيئة خليجية آنذاك كانت بحاجة ملحة للمعلمين والإداريين، كان المخطط بسيطًا وفعالًا وهو "التعليم طريق للنفوذ".

فكان كل مدرس وافد كان مشروع داعية، وكل مدرسة كانت منصة فكرية مؤقتة، وكل بعثة تعليمية جسرا لنقل الأفكار، ومع الوقت، تأسست قاعدة صلبة للجماعة في الخليج، قبل أن تكشف الدول لاحقًا طبيعة هذا النشاط وتحاصره، ومع الوقت، تأسست قاعدة صلبة للجماعة في الخليج، قبل أن تكشف الدول لاحقًا طبيعة هذا النشاط وتحاصره.
الإخوان في إسطنبول
تشير تقارير تركية حديثة إلى أن شبكة إسلامية مقرها تعمل تحت جناح حكومة أردوغان لتنفيذ عمليات تأثير وتصدير الأيديولوجية الإسلامية الراديكالية ، كما أن هناك دراسات تحلل الروابط العابرة للحدود بين حزب العدالة والتنمية التركي وجماعة الإخوان الإرهابية، وعلى الرغم من بعض التحديات التي واجهتها الجماعة في تركيا مؤخرًا، يبدو أن الدعم التركي للإخوان لا يزال مستمرًا بأشكال مختلفة.

أحلام الإخوان في سوريا
في الجمهورية العربية السورية، مارست جماعة الإخوان المسلمين العنف المنظم بين عامي 1979 و1982، والذي بلغ ذروته في حادثة حماة عام 1982، بعد القمع الوحشي من قبل قوات الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي أسفر عن مقتل الآلاف، عقب انتفاضة قادها الإخوان.

وتشير بعض تحليلات الخبراء إلى أن الإخوان المسلمين في سوريا يعملون على إعادة بناء نفوذهم بعد عقود من المنفى، ويهدفون إلى تحويل سوريا إلى دولة إسلامية تحكمها الشريعة من خلال عملية قانونية وسياسية تدريجية، خاصة مع سقوط نظام الأسد في دمشق، حيث يرى أردوغان فرصة لإعادة تشكيل النظام السياسي السوري، وإعادة دمج فصيل الإخوان السوريين الذي لطالما كان أكثر ميلًا للعنف لتعديل الصورة المتشددة لهيئة تحرير الشام ، هذا التحرك يشير إلى أن تركيا تسعى لإعادة الإخوان إلى الواجهة السياسية في سوريا، مما قد يغير موازين القوى في المنطقة.
حظر الإخوان في الأردن
يشهد لبنان والأردن أيضًا تجددًا في التعبئة المرتبطة بالإخوان المسلمين، ففي الأردن، فككت مداهمة حديثة ما وصفته السلطات بخلية صاروخية مرتبطة بالإخوان، مؤكدين أن عددًا من المشتبه بهم تلقوا تدريبًا في لبنان، وكما كان متوقعًا، نفت الجماعة أي نشاط مسلح، واصفة أنشطتها بـ"المقاومة السلمية"، وهو ادعاء يناقضه التاريخ.
هل ماتت الإخوان؟
على الرغم من الضربات التي تلقتها جماعة الإخوان المسلمين في عدة دول، خاصة بعد أحداث الربيع العربي وتصنيفها كمنظمة إرهابية في بعض الدول، إلا أن السؤال حول موتها يظل معلقًا، فالجماعة الإرهابية بتاريخها الطويل وقدرتها على التكيف، وهو ما أجاب عليه سامح عيد الخبير في شئون الحركات الإسلامية في حديثه لـ«تفصيلة»
استراتيجيات التكيف والبقاء
وقال سامح عيد الخبير في شئون الحركات الإسلامية، إن جماعة الإخوان تواصل استخدام "استراتيجية الخداع" كأداة رئيسية للتغلغل في المجتمعات، حيث تتجنب التصريحات العلنية التي قد تكشف عن أيديولوجيتها الحقيقية أو ارتباطاتها التنظيمية، هذه الاستراتيجية تسمح لها بالعمل تحت واجهات مختلفة، مثل المنظمات الخيرية أو التعليمية أو حتى الأحزاب السياسية، مما يمنحها مساحة للمناورة والتأثير.
ونوه الخبير في شئون الحركات الإسلامية في حديثه لـ«تفصيلة» أن الجماعة تسعى لتوسيع دائرة نفوذها من خلال المشاركة السياسية، حيث تحاول التغلغل في المستويات البلدية والإقليمية والاتحادية في بعض الدول، بهدف تقويض النظام الديمقراطي الحر على المدى الطويل، خاصة وأن هذا التكتيك يعكس فهمًا عميقًا للآليات الديمقراطية، واستغلالها لتحقيق أهداف أيديولوجية.

وتابع:« الجماعة فقدت كثيرًا من أنيابها، لكنها لم تفقد أنفاسها، ضربت في مصر وتونس والسودان، لكنها انتعشت في أوروبا، وتحتفظ بشبكاتها المالية والتنظيمية في بعض دول الغرب والخليج، هي اليوم بلا سلطة رسمية، لكنها تملك سلطة الظل، كما أن التأثير طويل المدى، الذي يستهدف الأجيال الجديدة في المهجر، وداخل الجاليات المسلمة، وفي عقول من لم يولدوا بعد»
واستكمل:« الذي مات هو مشروع التمكين السريع عبر الانقلابات أو الثورات، لكن بقي مشروع "التسلل البطيء"، وهو الأخطر والأطول أمدًا، ربما لن تعود الإخوان للحكم في أي بلد قريبًا، لكنهم لم يغادروا المشهد تمامًا، ولا يزالون يلعبون لعبتهم القديمة وهى انتظار الفرصة ولو بعد عقود."