دار الإفتاء تكشف مفاتيح النجاة من أهوال يوم القيامة
في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتزاحم فيه الأزمات، يزداد شغف الإنسان بمعرفة مصيره بعد الموت، وتتضاعف تساؤلاته حول ما ينتظره في اليوم الآخر، ذلك اليوم العظيم الذي وصفه القرآن بـ«الفزع الأكبر» مشهد رهيب تتبدل فيه الأرض والسماوات، ويقع فيه كل إنسان بين الخوف والرجاء.
ومن بين هذه التساؤلات، يبرز سؤال جوهري يطرق القلوب والعقول معًا: كيف نأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة؟ هل تكمن الإجابة في عبادة مخصوصة؟ أم في دعاء خفي يغفل عنه الكثيرون؟
في هذا التقرير نفتح هذا الملف الروحي والشرعي العميق، مستندين إلى القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال العلماء، وعلى رأسهم الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، مع توضيح موقف دار الإفتاء المصرية من ما يُعرف بـ«دعاء العرش» المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يزعم بعضهم أنه سبب للأمان من الفزع الأكبر.
يوم القيامة ليس حدثًا عابرًا في العقيدة الإسلامية، بل هو محور الإيمان بالغيب، إذ يؤمن المسلم بأنه يوم الجزاء والحساب، يوم تتجلى فيه عدالة الله المطلقة. يقول تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185].
ويؤكد القرآن هذا الاجتماع الحتمي بقوله تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء: 87].
إنها الحقيقة التي لا فرار منها، فالملوك والرعايا، الفقراء والأغنياء، جميعهم سيقفون على صعيد واحد، ينتظرون الحكم الفصل من رب العالمين، كما قال تعالى: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: 141].
الصراط والموقف العظيم.. تساؤل السيدة عائشة ومشهد الخوف
تروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي ﷺ عن قول الله تعالى:
{يوم تُبَدَّلُ الأرض غير الأرض والسماوات}،
فقالت: يا رسول الله، أين يكون الناس يومئذ؟
فقال ﷺ: «على الصراط».
كلمة واحدة تلخص الموقف كله: الصراط ذلك الجسر الرفيع الذي يمر فوق جهنم، أدق من الشعرة وأحدّ من السيف، يمر عليه الناس بحسب أعمالهم، فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يتعثر فيقع. هناك يكون الفزع الأكبر حقًا، فلا ينجو إلا من رحمه الله.
ثلاث مفاتيح للأمان من الفزع الأكبر
يرى الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الأمان من الفزع الأكبر ليس دعوى تُقال ولا أمنية تُرجى دون عمل، بل هو ثمرة ثلاثة أعمال إيمانية عظيمة تغفل عنها النفوس في زحام الحياة:
1. كثرة الصلاة على النبي ﷺ
الصلاة على النبي ليست مجرد ذكر لفظي، بل عبادة تُجلي الهم وتفتح أبواب الرحمة، وتورث القرب من الحبيب المصطفى يوم القيامة، إذ قال ﷺ:
«أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة».
يؤكد الدكتور جمعة أن الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ سبب للأمان والسكينة في الدنيا والآخرة، فهي تعبير عن الحب الصادق، ووسيلة لنيل الشفاعة والنجاة من الموقف العصيب.
2. كثرة ذكر الله عز وجل
يقول تعالى:
«ألا بذكر الله تطمئن القلوب»
و«فاذكروني أذكركم».
فالذكر كما يوضح جمعة ـ ليس مقصورًا على التسبيح والتهليل فحسب، بل يشمل كل قولٍ أو عملٍ يقرب العبد من ربه: من تلاوة القرآن، واستغفار، ودعاء، وتهليل، وتسبيح، وتحمد، وحتى استحضار النية الصالحة في العمل.
والقلب الذاكر هو القلب الآمن يوم الفزع، لأن الله يثبّت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
3. الدعاء المستمر واللجوء الصادق إلى الله
الدعاء هو سلاح المؤمن، وملاذ الخائفين، وهو الباب المفتوح دائمًا بين العبد وربه ينصح الدكتور علي جمعة بأن يكثر المسلم من الدعاء بأن يفرّج الله عنه أهوال القيامة وأن يرزقه الأمن في ذلك اليوم العظيم، وأن يقبله الله في عباده الصالحين.
ويشير إلى أن مشهد يوم القيامة سيضم موازين الأعمال، ولا يعلم أحد كم تطول المدة بين البعث والحساب، لكن المؤمنين يعرفون بعضهم بعضًا، ويتمايز الناس بحسب ما قدموه من خير أو شر.
بين الحقيقة والوهم.. الجدل حول "دعاء العرش"
انتشر في الآونة الأخيرة ما يُعرف بين الناس باسم «دعاء العرش»، وتُنسب إليه فضائل عظيمة، منها الأمان من الفزع الأكبر وعذاب القبر والرزق الوفير.
وتنص الروايات المتداولة على أن جبريل عليه السلام علّمه للنبي ﷺ أثناء الصلاة، وأن من صام الأيام البيض (13 و14 و15 من كل شهر) ودعا به عند الإفطار نال مغفرة الله وغناه عن خلقه، بل ويُقال إن هذا الدعاء مكتوب حول العرش وعلى أستار الكعبة، وأن ملك الموت يقبض أرواح المؤمنين بقوته.
لكن ما حقيقة هذا الدعاء؟ وهل هو ثابت عن النبي ﷺ؟
دار الإفتاء تحسم الجدل: "دعاء العرش" مكذوب ولا أصل له
في بيان حاسم، نفت دار الإفتاء المصرية صحة هذا الدعاء، مؤكدة أنه موضوع ومكذوب، ولا أصل له في كتب السنة ولا في آثار الصحابة والتابعين.
وقالت الدار إن نشر مثل هذه الأدعية المكذوبة يعرّض صاحبه للوعيد الوارد في الحديث الشريف:
«من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» (متفق عليه).
وأوضحت أن الأحاديث الصحيحة والأدعية الثابتة في القرآن والسنة تغني المؤمن عن البحث في الخرافات والبدع المنتشرة على الإنترنت فالحديث المزعوم يحمل ألفاظًا غريبة وأوصافًا لا تليق بعظمة الوحي، كقوله: «أسألك باسمك المكتوب على جناح جبريل وعلى كف عزرائيل»، وهي عبارات لم ترد في أي مصدر معتبر من التراث الإسلامي.
ويستشهد العلماء بكلام الإمام ابن حجر العسقلاني الذي قال:
«من علامات الوضع في الحديث المبالغة في الوعد أو الوعيد على الفعل اليسير، وهذا كثير في أحاديث القصاص والطرقية».
الأدعية الصحيحة.. كنز الأمان الحقيقي
تشير دار الإفتاء إلى أن في الأحاديث الصحيحة من الأدعية ما يكفي المؤمن ويغنيه عن الأدعية المكذوبة. فقد كان أكثر دعاء النبي ﷺ كما رواه أنس بن مالك:
«ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار».
وهو دعاء جامع يشمل خيري الدنيا والآخرة، ويتضمن طلب الأمان من الفزع الأكبر ومن عذاب النار في آن واحد.
كما ورد عن النبي ﷺ قوله:
«اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا والممات، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المسيح الدجال».
فهذه الأدعية الثابتة تغرس في النفس اليقين، وتربط العبد مباشرة بالله دون وسائط أو صيغ مبتدعة.